عندما يقول محام وأستاذ قانون معترف بكفاءته وأوكلت له ورشات كثيرة لإصلاح هياكل الدولة، وهو في سن لا يسمح بالتفكير كثيرا في مستقبله المهني... بأن ''البلاد كلها بحاجة إلى إعادة نظر جذرية''، وأن ''العدالة الجزائرية في وضع كاريكاتوري''، وأن عدالتنا لا تسير كغيرها من الـ''عدالات'' في العالم... فهذا ليس زرعا لثقافة اليأس، وهي العبارة التي أصبح أنصار إبقاء الوضع على حاله يرددونها في وجه كل من يقول لهم ''لا تدار أمور بلد بهذه الطريقة''.
تمنيت أن أتوقف عن الكتابة عن الأشياء السلبية في هذا البلد وأتحول للكتابة عن الأشياء الجميلة، وهي موجودة مثل الشمس والبحر والجبال ورمال الصحراء... وهناك معالم أثـرية ومبان عمرانية تركها لنا أجدادنا منذ قرون، إضافة إلى إبداعات فنية وبطولات صنعها رجال كثيرون منهم من غادرونا ومنهم من بقي على قيد الحياة، لكن تقدم بهم السن...
أما جيلنا فكأنه جاء من كوكب آخر غير كوكب الأرض ومن مخلوقات أخرى غير الإنسان ومن سلالة أخرى غير سلالة كاتب ياسين ومحمد ديب ومولود فرعون وابن باديس وفرحات عباس وعميروش وبن مهيدي وماجر وبلومي ومرسلي وإسياخم والعنقى وفروابي... نحن عكس هؤلاء كلهم ننتحر قبل بلوغ العشرين من العمر ولا نحب العمل ولا نستطيع أن نبدع أو نضحي...
هل المشكل في جيلنا أم في الحكومة؟ وعندما نميز بين الجيل والحكومة، فهذا لأن حكومتنا تنتمي لجيل غير جيل الاستقلال، ومن تمكن من جيل الاستقلال أن يصل إلى مناصب المسؤولية لا يمكنه البقاء فيها إلا إذا أكد قدراته على طاعة الجيل الذي يعتقد أنه لو رحل عن الحكم - مع أنه سيرحل بحكم الطبيعة - ستزول الجزائر. وقد وصل الأمر بهذا الجيل الذي لا يتصور الجزائر من دونه إلى حد إعادة بث أغاني الستينيات والسبعينيات في التلفزيون والإذاعة، مع أنهم يدركون أن تلك الأغاني لم تكن مسموعة حتى في عهدها، والأغاني التي كانت مسموعة آنذاك منعوها من الإذاعة والتلفزيون. وحتى الاستعراضات العمالية الشهيرة أيام شباب هؤلاء عادت إلى الواجهة بمناسبة احتفالات عيد العمال الأخيرة.
هل هو زرع لثقافة اليأس إذا قلنا للحكومة افتحي القطاع السمعي البصري ليختار صحفيو التلفزيون على الأقل بين العمل مقابل الأجر الذي يتقاضونه وبين البقاء في الحالة التي هم عليها في اليتيمة، أي أجر دون عمل طيلة سنوات. ولا نريد أن نتطاول على تلفزيوننا ونقول بأنه لا يقدم للمشاهد البرامج التي يحبها. وهل القاضي المحروم من الاطلاع على الاجتهاد القضائي الذي يمنعه من مقاضاة وزير العدل، زارع ثقافة يأس أم العدالة بتصرفها هي التي قضت على كل أمل في نفس هذا الأخير لأنها تقول له ''لا يحق لك الطموح خارج ما يقرره الوزير''؟
هذا الجيل إذن ليس أقل شأنا من سابقيه، بل الحكومة هي التي جمدت عقله وتأمره بعدم بذل الجهد وعدم التضحية.