- مقدمة عن السعادة وأنها هدف منشود .
السعادة هي جنة الأحلام التي ينشدها كل البشر ؛ ولكن السؤال الذي حيّر الناس من قديم : أين السعادة ؟؟
لقد طلبها الأكثرون في غير موضعها فعادوا كما يعود طالب اللؤلؤ في الصحراء صفر اليدين كسير القلب خائب الرجاء . نعم ؛ لقد جرب الناس في شتى العصور ألوان المتع المادية ، وصنوف الشهوات الحسية فما وجودوها تحقق السعادة .
لقد بحث عنها قوم في المال الوفير والعيش الرغيد فما وجودها ، وآخرون بحثوا عنها في المناصب العالية فما حصلوها ، وآخرون بحثوا عنها في الشهرة والجاه العريض فما ظفروا بها ... لماذا ؟؟؟
لأن السعادة شيء ينبع من داخل الإنسان يشعر به بين جوانبه فهو أمر معنوي لا يُقاس بالكم ، ولا يشترى بالدينار والريال ، بل هي صفاء نفس وطمأنينة قلب وراحة ضمير وانشراح صدر .
ويذكر أن زوجاً قال لزوجته بغضب : لأشقينَّك . فقالت الزوجة في هدوء : لا تستطيع أن تشقيني كما لا تستطيع أن تسعدني .
فقال الزوج في حنق : وكيف لا أستطيع ؟
فقالت الزوجة في ثقة : لو كانت السعادة في راتب لقطعته عني أو زينة من الحلي لحرمتني منها ، ولكنها في شيء لا تملكه أنت ولا الناس أجمعون !
فقال الزوج في دهشة : وما هو ؟ فقالت الزوجة في يقين : إني أجد سعادتي في إيماني ، وإيماني في قلبي ، وقلبي لا سلطان لأحد عليه غير ربي .
ومثل ذلك ما دوى به البحر الخضم والجبل الأشم علم الأعلام وشامخ الشام وشيخ الإسلام ابن تيمية قدّس الله روحه ونوّر ضريحه لما سجن ظلماً وعدواناً في سجن القلعة قال رحمه الله : ما يفعل أعدائي بي أنا جنتي وبستاني في صدري حيثما ذهبت فهي معي .
ويقول أحد السلف واصفاً حاله وهو في غمرة السعادة الحقيقية : إنه لتمر عليّ ساعات أقول فيها : إن كان أهل الجنة في مثل ما أنا فيه إنهم لفي عيش رغيد .
قال ابن القيم رحمه الله ( كما في مدارج السالكين ) : في القلب شعث لا يلمه إلا الإقبال على الله ، وفيه وحشة لا يزيلها إلا الأنس بالله ، وفيه حزن لا يذهبه إلا السرور بمعرفته ، وصدق معاملته ، وفيه قلق لا يسكنه إلا الاجتماع عليه والفرار إليه ، وفيه نيران حسرات لا يطفئها إلا الرضا بأمره ونهيه وقضائه ومعانقة الصبر على ذلك إلى وقت لقائه ، وفيه فاقة لا يسدها إلا محبته وإلإنابة إليه ودوام ذكره وصدق الإخلاص له ، ولو أعطي الدنيا وما فيها لم تسد تلك الفاقة أبدا ) .
إذا أيها الأحبة السعادة لا يمكن أن تحصل إلا بالإيمان واليقين في المقام الأول .
وديننا قد جاء بما يكفل السعادة للمسلم بل ونهى عن الحزن قال تعالى ( ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين ) وقال ( ولا تحزن عليهم ) وقال سبحانه ( إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا )
وكان من دعائه عليه الصلاة والسلام ( اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن ) .
فالدين جاء لسعادة البشر ولانتفاء الشر عنهم والضرر ، وذلك في كل مناحي الحياة ، ومن تلك المناحي سعادة الأسرة فقد بناها على مقومات السعادة وهو المودة والرحمة والسكن فلا سعادة بلا مودة وسكينة وتراحم قال تعالى ( ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا .... ) الآية .
ثم إنه قد جاء بما يكون من روافد هذه السعادة وهي المرأة الصالحة فعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : أربع من السعادة : المرأة الصالحة ، والمسكن الواسع ، والجار الصالح ، والمركب الهنيء ) رواه ابن حبان في صحيحه وصححه الألباني .
وقال صلى الله عليه وسلم ( الدنيا متاع وخير متاعها المرأة الصالحة ) رواه مسلم .
وقال تعالى ( فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله ) .
أيها الإخوة .. وإنما كان الحديث عن سعادة الأسرة لأنها نواة المجتمع فصلاحها يكون لبنة في صلاح المجتمع كما أن فسادها يكون معول هدم في صرح المجتمع .
والإسلام قد اعتنى بالأسرة غاية العناية ولعلنا نُجْمل بعض مظاهر هذه العناية في الأمور التالية :
1 ) أنه جعل قوام الزواج على الدين والأخلاق ، وهذا من أهم المظاهر للعناية بالأسرة ويعتبر إجراءً وقائياً – إن صح