توصلت العديد من الأبحاث والدراسات النفسية إلى أن الطفل معرض للمعاناة النفسية بصورها المختلفة تماماً مثل الكبار، فقد يعتبر النمو الانفعالي السليم مظهراً من التكيف والتوافق النفسي.
فالتكيف في معناه العام هو السلوك الذي يحاول به الفرد التغلب على الصعوبات أو العوائق التي يقف حيال تحقيق رغبة أو حاجة أو دافع، والتكيف هو الذي يخفض أو يزيل التوتر الناشئ عن الإحباط أو الصراع بطريقة إيجابية تعيد الاتزان أو التوافق بين الفرد وبيئته، ويحافظ على التوازن بين العمليات النفسية، وله مظاهر عدة منها القدرة على ضبط الانفعالات في حدود مقبولة بمعنى التعبير عنها تعبيراً غير متطرف، فكبتها قد يؤدي إلى التنفيس عنها بأنواع من السلوك غير السوي، وترك العنان لها قد يسيء إلى علاقات الفرد الاجتماعية، هذا مع العلم بأن بَلاَدَة الانفعال كالعصبية والهم والقلق تعتبر جميعاً مظاهر لعدم التكيف، كما يساعد الفرد على التكيف استغلال ذكائه في موجهة المشاكل، والاعتراف بالواقع ومواجهته لا الهروب منه عم التمتع بعلاقات اجتماعية سليمة تتطلب من الفرد أن ينظر إلى المجتمع بروح ودَّية وإلى الحياة بمنظار
وجدير بالذكر أن أغلب المشاكل الانفعالية تنتج من الإحباط أو الصراع الذي يحدث نتيجة إعاقة حاجة أو رغبة للفرد، أي أن الإعاقة تسبب الإحباط الذي يؤدي إلى التوتر، وهذا يؤدي بدوره إلى الاستجابة التي ترمي إلى إعادة التوافق والتكيف، وهذه السلة من العمليات كثيرة الحدوث في حياتنا اليومية، وتعتبر صمَّام الأمن الذي يقي الفرد شر الانفعالات الضارة، أما إذا لم يستطع الفرد التغلب على الإحباط والصراع فكثيراً ما يلجأ إلى استجابات بديلة لحماية شخصيته وإرضاء دوافعه الانفعالية، أو بمحاولة تغيير الواقع حتى يصبح مقبولاً ومحمتلاً، ومن هنا تظهر أنواع المشاكل والاضطرابات النفسية التي نلاحظها على الطفل في مراحل نموّه المختلفة، وهنا لا بد من الحديث بإيجاز عن بعض هذه المشاكل، حيث في مرحلة المهد تشكل العلاقة بين الطفل ووالديه مصدراً هاماً من مصادر الاضطرابات النفسية، حيث أن الوالدين هما مصدر إشباع حاجات الطفل ودوافعه، فمثلاً أثبتت الدراسات أن الحرمان العاطفي يؤدي في كثير من الأحيان إلى ظهور نزعات عدوانية عند الطفل، ولو أنها تظهر في أول الأمر في شكل وسائل دفاعية في حالات الغضب، هذه الحالة لا يمكن اعتبارها مشاكل سلوكية إلاَّ إذا انفصلت عن حالة الغضب وظهرت دون أي سبب.
وعلى العموم فأغلب الاضطرابات تظهر في أعراض سيكوسوماتية (نفسية جسمية) تنتج عادة من سوء العلاقة بين الطفل وأمه، أو ضعف هذه العلاقة، وفي الطفولة عامة، تدل أغلب الأبحاث في موضوع الطفل المشكل أن لسوء العلاقة الوالدية أثراً هاماً، وهذا لا يعني الشدَّة والقسوة في المعاملة أو رفض الطفل فقط، بل إن زيادة الحماية والتدليل المفرط كثيراً ما تؤدي إلى اضطرابات في السلوك وبخاصة في الطفولة المتأخرة، هذا وتجب الإشارة إلى أن نسبة ضئيلة من الاضطرابات النفسية ترجع إلى عوامل جسمية ناتجة عن مرض، أو إصابات في الدماغ بشرط أن تكون الحالة حادة و شديدة،