قصد إثراء خيمة الأدب أقترح أن يختار أعضاء المنتدى أجمل القصائد التي أعجبتهم لنكون " باقة القصائد"
هذه قصيدة لأبي الفتح علي بن محمد السبتي المتوفى"677 ه
زيادة المرء في دنياه نقصـــان ** وربحه غير محض الخير خسران
وكل وجدان حظٍ لا ثبات لـه ** فإن معناه على التحقيق فقدان
يا عامراً لخراب الـدار مجتـهداً ** بالله هل لخراب العمـر عمران
ويا حريصاً على الأموال تجمعهـا ** أنسيت أن سرور المال أحزان
زعِ الفؤاد عـن الدنيا وزينتهـا ** فصفوها كدرٌ والوصلُ هجران
وأرع سـمعك أمثالاً أفصِّـلُهـا ** كما يُفصـل ياقوتٌ ومرجان
أحسـن إلى الناس تستعبد قلوبهم ** فطالما استعبد الإنسان إحسان
يا خادم الجسم كم تسـعى لخدمته ** أتطلب الربح مما فيه خسران؟
أقبل على النفس واستكمل فضائلها ** فأنت بالنفس لا بالجسم إنسان
وإن أسـاء مسـئٌ فليكن لك في ** عروض زلته صفحٌ وإحسـان
وكن على الدهـر معواناً لذي أملٍ ** يرجو نداك فإن الحـر معوان
واشـدد يديك بحبل الله معتصـماً ** فإنه الركن إن خانتك أركان
من يتق الله يُحمـد في عـواقبـهِ ** ويكفِه شرَّ من عزوا ومن هانوا
من اســتعان بغير الله في طلبٍ ** فإن ناصــره عجزٌ وخذلان
من كان للخـير مناعاً فليس لـه ** على الحقيقة خلان وأخـدان
من جاد بالمال جاد الناس قاطبـةً ** إليه والمال للإنســـان فتان
من سالم الناس يسـلم من غوائلـهم ** وعاش وهو قرير العين جذلان
من كان للعقل ســلطانٌ عليه غدا ** وما على نفسه للحرص سلطان
من مدَّ طرفاً لفرط الجهل نحو هوىً ** أغضى على الحق يوماً وهو خزيان
من عاشـر الناس لاقى منهمو نصـباً ** لأن سـوسـهم بغيٌ وعدوان
ومـن يفـتش عن الإخوان يقلِهـمو ** فجُلُّ إخوان هذا العصـر خوّان
من اسـتشـار صروف الدهر قامَ له ** على حقيقة طبع الدهر برهـان
من يزرع الشـر يحصـد في عواقبه ** ندامةً، ولحصـد الزرع إبان
من اســتنام إلى الأشـرار نام وفي ** قميصـه منهم صِّـلّ وثعبان
كن ريّق البشـر إن الـحر همتـه ** صحيفةٌ وعليها البشــر عنوان
ورافـق الرفـق في كل الأمور فلم ** يندم رفيـقٌ ولم يذممه إنســان
ولا يـغـرنك حـظٌ جـره خرقٌ ** فالخرق هـدم ورفق المرء بنيان
أحسـن إذا كان إمكانٌ ومقدرةٌ فلن ** يدوم على الإحســان إمكان
فالروض يزدان بالأنـوار فاغمـةً ** والحر بالعدل والإحســان يزدان
صـن حر وجـهك لا تهتك غلالته ** فكلُّ حرٍّ لحر الوجـه صــوان
فإن لقيت عدواً فالـقـه أبداً ** والوجه بالبشر والإشراق غضَّان
دع التكاسـل في الخيرات تطـلبها ** فليس يسـعد بالخيرات كسلان
لا ظـل للمرء يعرى من تُقىً ونهى ** وإن أظلـته أوراقٌ وأفنـان
والناس أعوانُ من والتـه دولتُه ** وهم عليــه إذا عادته أعوان
(سحبان ) من غيرِ مالٍ (باقلٌ ) حَصِرٌ ** و( باقلٌ) في ثراء المال سَـحبان
لا تودِع السِّـر وشَّاء يبوحُ به ** فما رعى غنماً في الدو سرحان
لا تحسب الناس طبعاً واحداً فلهم ** غرائزٌ لست تحصيهن ألوان
ما كلُّ ماءٍ كصــداءٍ لوارده ** نعم ، ولا كلُّ نبتٍ فهو سعدان
لا تخدشــن بمطلٍ وجهَ عارفةٍ ** فالبر يخدشـــه مطلٌ وليَّان
لا تسـتشر غير ندبٍ حازمٍ يقظٍ ** قد استوى فيه إسرار وإعلان
فللتدابير فرســـان إذا ركضوا ** فيها ابرّوا كما للحرب فرسان
وللأمــور مـواقـيتٌ مقدرةٌ ** وكـلُّ أمرٍ له حدٌ ومـيزان
فلا تكـن عجلاً في الأمـر تطلبه ** فليـس يحمد قبل النضج بحران
كفى من العيش ما قد سد من عوزٍ ** ففيه للحُرِّ إن حققت غُنيان
وذو القناعةِ راضٍ من معيشـته ** وصاحبُ الحرصِ إن أثرى فغضبان
حســب الفتى عقله خلاً يعاشره ** إذا تحاماه إخـوانٌ وخـلان
هما رضيعا لِبانٍ حكـمةٌ وتقىً ** وسـاكنا وطنٍ : مالٌ وطغيان
إذا نبا بكريم موطـنٌ فله وراءه ** في بســيط الأرضِ أوطان
يا ظــالماً فرحاً بالعز ســاعده ** إن كنت في سِنةٍ فالدهر يقظان
يا أيـها العالم المرضي سـيرته ** أبشـر فأنت بغير الماء ريان
ويا أخا الجهل لو أصبحت في لُججٍ ** فأنت ما بينها لاشك ظمآن
لا تحسـبن سـروراً دائماً أبداً ** من سـره زمن ساءته أزمان
إذا جفـاك خليلٌ كـنت تألفه ** فاطلب سواه فكل الناس إخوان
وإن نبت بك أوطانٌ نشــأت بها ** فارحل فكل بلاد الله أوطـان
يا رافلاً في الشباب الرحب منتشياً من ** كأسه هل أصاب الرشد نشوانُ؟
لا تغترر بشــبابٍ رائقٍ نضِرٍ ** فكم تقدم قبل الشيب شُبان
و يا أخا الشيب لو ناصحت نفسك لم ** يكن لمثلك في اللذات إمعـان
هب الشبيبة تبدي عذر صاحبها ** ما عذر أشيب يستهويه شيطان
كل الذنوب فإن الله يـغفرها ** إن شـيَّع المرء إخلاصٌ وإيمان
وكل كســرٍ فإن الدين يجبره ** وما لكسـر قناةِ الدين جبران
خذها ســوائر أمثالٍ مهذبةٍ ** فيها لـمن يبتغي التبيان تبيان
ما ضرَّ حسـانها - والطبع صائغها- ** أن لم يصُغها قريع الشعر حسَّان