إعرابي .. لا يقرأ ولا يكتب يرعى غنماً في أقصى الصحراء.. ذلك هو الوجه الأول في مسابقة التفوق!! أما الأخر فإنه يعيش في وسط المدينة ونشأ وترعرع فيها.. أتم دراسته الجامعية ولديه حصيلة ثقافية جيدة ومورد مالي طيب، وإطلاع مستمر على الطروحات المختلفة.. ولديه أبناء.
الإعرابي .. يذهب نهاية كل أسبوع لقرية يجلب منها (الشعير) وما يناسب مائدة الأغنام لتأكل وتهنأ بالعيش.
أما المدني.. فإنه أيضاً جعل من نهاية الأسبوع أيام لشراء ما يلزم لا بناءه وأعد لذلك مستودعاً بجوار المطبخ وأكثر ما يشغل ذهنه أن ينقص المخزون أو أن يفقد نوع من الأغذية.
الأعرابي .. جعل لأغنامه راعياً يسرح بها ويحرسها من الذئاب ويحوطها عن الضياع واختار من يجيد الصنعة ومن لديه خبرة في توليد الأغنام وسياسة الرعي ومع هذا لم تقّرعينه فهو يتابع ويشرف بنفسه !!
أما المدني.. فقد جلب سائقاً يجيد القيادة لكنه ذئب في جلد إنسان، فهو رجل لديه شهوة وتتحرك فيه دواعي الغريزة ومكنه المدني من الاختلاء بأهله وأبناءه منذ اليوم الأول ولم يفكر إطلاقا في متابعة ومعرفة ديانته بل ولا أخلاقه!!
الأعرابي.. يسارع نهاية كل أسبوع إلى استطلاع ما حوله من رعي جائر أو لص سارق أو ذئب مفترس!
أما المدني.. فقد نام قرير العين حتى كثر لصوص الأعراض وسراق الدين، والذئاب تحوم حول الحمي.
الإعرابي.. بفطرته أقام مسجداً مكوناً من أحجار جمعها من هنا وهناك واجتهد في تحديد اتجاه القبلة وجعل الآذان يدوي في الوادي لطرد الشياطين وإعلام الجن والإنس بموعد الآذان.
المدني.. بحث عن مسكن له واشترط المسكين أن يكون بعيداً عن المسجد حتى لا يزعجه صوت الآذان وجعل الشياطين تجول في بيته وتصول.
الأعرابي.. كالأب الحاني على أبناءه إذا رأى مرضاً أو جرباً أصاب غنيماته سارع إلى التماس الدواء الشعبي أو سارع إلى أقرب بيطرية طبية لمعالجتها.
أما المدني.. فإنه ترك أمر الرعاية للسائق والخادمة يذهبان بأبنائه ويعودان وليس الأمر مقتصر على البحث عن الدواء فحسب.
الإعرابي.. بتجربتةٍ ومراس يعرف متى يوضع الذكر مع الأنثى ومتى تبعد عنه فكان ذلك أدعى لاستقرار الحظيرة وحسن إنتاجها وعدم تركها لشهوتها.
أما المدني.. فيعلم حاجة الذكر للأنثى بفطرته وأن ذلك لابد أن يتم وفق ضوابط شرعية لكنه في بعض الأحيان يتعامل مع من حوله من الزوجة والأبناء بمنطق الراعي البدوي مع كثرة إهمال وتفريط حتى اختلط الحابل بالنابل في الأسواق والتجمعات والحديث لا يسترسل فيه هنا!.
الإعرابي.. تضوي أغنامه إلى حظائرها قبل غروب الشمس حتى تجد السكن وتبتعد عن غوائل الليل وشياطين الأنس.
أما المدني.. فإنه قد أحال ليله نهاراً ونهاره ليلاً ولا يوجد ضابط للعودة أو التأخر وعند من وأين وإلى متى؟!
الأعرابي.. يرفع عينيه صوب السماء يرجو رب السماء إنزال المطر وإدرار الضرع وإنبات الزرع بذل الأسباب واتبعها الدعاء.
المدني.. لاه ساه خامل.. لم يبذل الأسباب ولم يرفع كفيه إلى رب الأسباب!
الأعرابي يردد بين الحين والآخر بحماس:
من يرعى الغنم في ارض مسبعة
ولم يصنها تولى رعيها الأسدُ
والمدني.. فإنه يرد كل حين وبسذاجة:
أنا ملء جفوني عن شوا ردها
ويسهر القوم جراها ويختصم
والعجيب أن أوجه التشابه بين أبناء المدني وقطيع الغنم كثيرة جداً والكل في سباق نحو تكثير الشحم واللحم!