الكـلور الحارس الغادر* المهندس أوزجان يشار
جنسترا آفاق علمية تنتج شركات البيتروكيماويات سنويا ملايين الأطنان من مختلف البتروكيماويات والتي بدورها تدخل كمادة خام في صناعة كثير من الأدوات المنزلية مثل الأدوات البلاستيكية والمطاط الصناعي والمركبات العطرية . وهذه البتروكيماويات لا يمكن صناعتها إلا باستخدام المواد الأولية المناسبة في الإنتاج ومن هذه المواد ، مادة الكلور وهو غاز لا يوجد منفرداً في الطبيعة وإنما يوجد مع عناصر أخرى يكون معها مركباً مثل كلوريد الصوديوم أي ملح الطعام .
يتواجد الكلور في الطبيعة فقط على هيئة أيون كلوريد. وتمثل الكلوريدات حجما كبيرا من الأملاح الذائبة في المحيطات، تقريبا 1.9 % من كتلة ماء البحر والتي هي عبارة عن أيونات كلوريد. كما أنه توجد نسب أعلى من أيونات الكلوريد ذائبة في البحر الميت وفي ترسبات الماء شديد الملوحة.
وفي الصناعة يتم إنتاج الكلور غالبا بالتحليل الكهربي لكلوريد الصوديوم الذائب في الماء. وينتج مع الكلور في عملية ألكلة الكلور غاز الهيدروجين، هيدروكسيد الصوديوم، طبقا للمعادلة الآتية:
ولون الكلور في شكله الغازي أصفر يميل للخضرة وله رائحة حادة تسبب التهيج . والكلور يتبخر بسرعة إذا كان مكشوفا و لزوجته تساوي ثلث لزوجة الماء وحجمه في صورته الغازية أكبر من حجمه وهو سائل بأكثر من 450 مرة وهذا يعني أن مترا مكعبا من الكلور السائل يمكن أن ينتج ما حجمه 450 مترا مكعبا من الغاز . وبما أن كثافته أعلى من كثافة الهواء فإنه يتجمع في شكل نقاط على مستوى منخفض تتصاعد ببطء في الهواء .
مادة الكلور مادة كيميائية نافعة جدا, تلعب دورا حيويا في الكثير من الصناعات الأساسية مثل الصباغة,التبييض,معالجة لب الورق , البتروكيماويات, المبيدات الحشرية, الأدوية, تبييض المنسوجات والأقمشة, المتفجرات, البلاستيك , المطاط الصناعي, المذيبات العضوية, سوائل التبريد, الكيماويات العضوية (جليكول، أكسيد البروبيلين) والكيماويات الكلورينيه غير العضوية (هيبوكلورات الصوديوم), لكن يبقى الدور الأهم للكلور في معالجة وتطهير مياه الشرب وحمامات السباحة والصرف الصحي حيث تقدر منظمة الصحة العالمية WHO إن ملوثات المياه تتسبب بوفاة أكثر من 25000 شخص في العالم بأمراض الكوليرا و حمى التيفود و الدوسينتاريا الأميبية.
لذا يبقى الكلور و مشتقاته مثل Sodium Hypochlorite و Chlorine Dioxide هو من أكثر مواد التطهير فعالية و عند إضافته إلى المياه بكميات مدروسة يقضي على الجراثيم و الكائنات الدقيقة المختلفة, و يتوفر بعدة أشكال كبودرة , وكسائل وكغاز.
لقد استعملت مركبات الكلور و لأكثر من 100 عام في بلاد كثيرة لمعالجة مياه الشرب والتي تمكنت من القضاء على الكثير من الأمراض الناتجة من المياه الملوثة إضافة إلى وسائل أخرى كاستعمال الأوزون و الأشعة فوق البنفسجية Ultra-filtration و التصفية الدقيقة .
يمكن استخلاص غاز الكلور عن طريق التحليل الكهربي لمحلول كلوريد الصوديوم، مثلا من الماء شديد الملوحة. وهناك 3 طرق لاستخلاص الكلور
بالتحليل الكهربي في الصناعة وهي : التحليل الكهربي عن طريق خلية الزئبق: التحليل الكهربي عن طريق خلية الزئبق كانت أول الطرق المستخدمة لإنتاج الكلور في الصناعة. ويتم وضع أنود تيتانيوم فوق كاثود زئبق، ووضع محلول كلوريد الصوديوم بينهما. وعند تمرير التيار الكهربي، ينطلق الكلور عند أنود التيتانيوم، بينما يذوب الصوديوم في كاثود الزئبق مكونا ملغم.
ويمكن تحويل الملغم إلى زئبق مرة أخري بتفاعله مع الماء، مما ينتج الهيدروجين وهيدروكسيد الصوديوم. وهما منتجان ثاونيان نافعان.
وهذه الطريقة تتطلب طاقة كبيرة، كما توجد محاذير بخصوص انبعاثات الزئبق.
التحليل الكهربي الحجابي:يتم استخدام حجاب من الحرير الصخري كراسب على كاثود من الحديد ليمنع الكلور المتكون على الأنود وهيدروكسيد الصوديوم المتكون على الكاثود من الاتحاد مرة أخرى.
وتستهلك هذه الطريقة طاقة أقل من خلية الزئبق، ولكن تركيز هيدروكسيد الصوديوم لا يكون كاف للاستفادة به.
التحليل الكهربي الغشائي:يتم تقسيم خلية التحليل الكهربي إلى قسمين عن طريق غشاء يعمل كمبادل أيوني حيث يتم وضع محلول كلوريد الصوديوم المشبع في قسم الأنود، بينما الماء المقطريوضع في قسم الكاثود.
وهذه الطريقة فعالة تقريبا مثل التحليل الكهربي الحجابي، ولكنها تنتج هيدروكسيد صوديوم نقي للغاية.
يتفاعل الكلور من بعض المواد وخاصة القويات والمركبات العضوية وينتج عن ذلك التفاعل الصودا الكاوية ومواد التبيض الجيرية وهي عوامل مؤكسدة نشطة . و يتفاعل أيضا مع مواد أخرى ليعطي مشتقات كلور و مع الهيدروجين ليعطي كلوريد الهيدروجين .
و للكلور و الهيدروكلوريدات استخدامات كثير فهي تستخدم كمواد تبييض في صناعة المنسوجات و الورق كما تستخدم في تنقية المياه وكمواد لمعالجة المخلفات الصناعية ونفايات المنازل . وهو أيضا مادة أولية أساسية في صناعة البلاستيك وغازات التبريد والأدوية والمذيبات وأنابيب بي . في . سي . ( PVC ) البلاستيكية بالإضافة إلى صناعة المبيدات الحشرية . ويتفاعل الكلور أيضاً مع بعض المعادن مثل الحديد والصلب عند درجات الحرارة المرتفعة . وعند مناولة الكلور كغاز يجب استخدام المواد التي تقاوم حامضي الهيدروكلوريك و الهيبوكلوروز مثل التيتانيوم والزجاج والتلفون ومادة بي . في . سي (PVC ).
وأسلم الطرق لتجنب مخاطر الكلور في المصانع التي تستخدمه كمادة أولية صناعية هي المراجعة المنتظمة لتفادي أي تسربات. و الأمونيا مادة فعالة لكشف تسربات الكلور لأنها تنتج دخان أبيض عند تفاعلها مع الكلور . ويجب معالجة أي تسرب قبل أن يستفحل أمره كما يجب تجنب إضافة الماء على الكلور المتسرب لأن المزيج الذي ينتج من إضافة الماء للكلور يزيد من حجم التسريب .
الكلور مادة غير قابلة للاشتعال أو الانفجار وأيضا غير موصلة للكهرباء فلذلك لا يتسبب تسربه في اشعال الحرائق.
يسبب التعرض المباشر لمادة الكلور، تهيج في الجهاز التنفسي وخاصة للأطفال وكبار السن. وفي حالته الغازية فإنه يسبب تهيج الغشاء المخاطي وفي حالته السائلة يسبب حروق للجلد. ويتطلب وجود 3.5 جزء في المليون منه للتعرف على رائحته، ولكنه يتطلب وجود 1000 جزء في المليون أو أكثر ليصبح خطر. ولذلك تم استخدام الكلور في حالته الغازية في الحرب العالمية الثانية كسلاح كيميائي. ولذلك لا يجب أن لا تتعدى نسبة الكلور 0.5 جزء في المليون (للشخص البالغ لفترة عمل تبلغ 8 ساعات – 40 ساعة عمل في الأسبوع تقريبا).
التعرض الكثير للتركيز العالي من الكلور يسبب وجود مياه في الرئة. والتعرض للتركيزات المنخفضة لفترات طويلة لغاز الكلور يؤدى لضعف الرئة، ويجعلها أسهل تأثرا بأمراض الرئة الأخرى. ويمكن تكون غازات سامة عند خلط مواد التنظيف ببعضها وأيضا خلط تلك المواد مع المواد القاصرة للون حيث يتحرر غاز الكلور ، و الكلورامين، و ثلاثي كلوريد النيتروجين، وعلى هذا يجب الاحتياط لعدم حدوث مثل هذه التركيبات.
وتركيز غاز الكلور الذي يمكن أن يتعرض له الإنسان دون أن يصيبه ضرر هو بنسبة واحد إلى المليون في الهواء . والتعرض إلى نسبة أعلى من ذلك تسبب تهيج في الغشاء المخاطي والسعال وضيق التنفس والقلق بالإضافة إلى تهيج الحنجرة . فإذا تعرض شخص لنسبة عالية من الكلور يجب أن يتم إبعاده من المنطقة الملوثة وإعطائه مواد إنعاش إذا تطلبت حالته وكما يجب وضع المصاب في مكان دافئ حتى يصل الطبيب المسعف . و مؤخرا كشف باحثون بريطانيون أن مياه الصنبور التي تحتوي على معدلات كلور عالية التركيز قد تزيد من مخاطر الإجهاض وموت الأجنة في الرحم. وذكر علماء في كلية لندن الملكية أنهم يعتقدون بوجود علاقة بين الماء الذي يحتوي على الكلور عالي التركيز أو على مشتقاته أو مركباته وولادة أطفال صغار الحجم وأن الخطر يرتفع إذا شربت الحوامل هذا النوع من الماء أو استحممن فيه.
ولاحظ العلماء بعد إحصاءات ولادية في ثلاث مناطق بها شركات مياه بين 1992 و1998 ارتباطا ملحوظا بين موت الأجنة وإقامة الأمهات في مناطق معرضة بنسبة عالية لتلك المركبات, إذ ازداد معدل الإجهاض وموت الأجنة بـ 21% في المدن المزودة بمياه غنية بمركبات الكلور وانخفض معدل أوزان المواليد بـ 9%.
وتتطابق نتائج الدراسة الجديدة مع ما خلصت إليه سابقا دراسات كندية ونرويجية من أن المياه ذات الكلور عالي التركيز تزيد خطر موت الأجنة وترفع معدل التشوهات الولادية كتشقق العمود الفقري.
لهذا نجد أن الكلور مادة حيوية ساحرة لا غنى عن البشرية عنها و لكن لابد من التعامل معها بكل حرص و انتباه حتى لا ينقلب السحر على الساحر.
المصادر:1- منظمة الصحة العالمية WHO .
2- Centers for Disease Control and Prevention - 1600 Clifton Rd, Atlanta, GA 30333, USA.
3- معهد A.N.S نيويورك.
4- مجلس السلامة القومي الأمريكي .
5- - www.chlorintinstitute.org - The Chlorine Institute