إذا بدأنا بمحاولة لتحديد مساحة القصة القصيرة أو عدد كلماتها، لوجدنا قصصاً يبلغ طولها عشرات الصفحات، ولوجدنا أيضاً قصة قصيرة لا يتجاوز عدد كلماتها خمسين كلمة.
الأولى تعدّ من حيث خصائصها العامة، قصة قصيرة، والثانية تعدّ كذلك، ونحن نستطيع أن نجد نماذج كثيرة جداً من القصة القصيرة ذات الصفحات العديدة في أدب آرنست همنغواي ومكسيم غوركي ويوسف إدريس، كما أننا نستطيع أن نجد نماذج كثيرة جداً للقصة القصيرة جداً عند أنطون تشيخوف ويوسف الشاروني وزكريا تامر. وهذا التفاوت في المساحة موجود في الأدب المحلي، ويستطيع المتتبع أن يلاحظ ذلك بيسر.
هذا عن مساحة القصة، أما عن بنائها الفني، فنحن لا نجد كذلك تعريفاً محدداً، إذ إن الكتب المدرسية، وأحياناً الجامعية، تحاول أن تُدخل في عقول الطلبة، أن القصة يجب أن تنقسم إلى ثلاثة أقسام: أ- بداية، ب- وسط، ج- نهاية، انطلاقاً من أن البداية هي للتعريف بالمكان والزمان والشخوص، ثم السير بالحدث تدريجياً نحو وسط القصة، حيث تبلغ الأزمة ذروتها، ثم تتدرج من هناك نحو الحل أو ما يسمونه لحظة التنوير ، التي تمثل الخاتمة أو النهاية.
وحقيقة القصة القصيرة ليست كذلك دائماً، إذ نستطيع أن نكتب قصة تبدأ من حيث يجب أن تنتهي، ثم نعود بسرد الأحداث وروايتها إلى أن نصل إلى الخاتمة التي بدأنا بها. وهذا ما يطلق عليه اسم (ًكف وَّفٌئ) ونلاحظه كثيراً في الأفلام السينمائية والمسلسلات التلفزيونية، كما نستطيع أن نكتب قصة قصيرة تبدأ من الوسط، ثم نرجع بها وبأحداثها إلى البداية، ومن ثم إلى الوسط مرة اخرى، ثم إلى النهاية. وباختصار يمكن القول إن الكاتب قادر على التصرف بشخوص قصته ومكانها وزمانها وحركتها بالوجهة التي يراها ملائمة أكثر لتشويق القارئ، وشده نحو متابعة القصة.
ونجد بعد هذا، أن التسلسل الذي نجده في بعض الكتب المقررة، ليس هو ما نجده عندما نطّلع على قدر كاف من النماذج القصصية لمجموعة من الكتاب المختلفين، أو لكاتب واحد أحياناً.
أما عن الحدث، فليس شرطاً أن يكون عنيفاً أو مفجعاً، كما نراه في قصص الكاتب الفرنسي جي.دي. موباسان، ومن بعده الكاتب المصري المعروف محمود تيمور.
لتيمور قصة قصيرة بعنوان حزن أب يرويها الكاتب على لسان الراوي الذي تابع سير الأحداث، وهي بإيجاز قصة الشيخ عساف الذي فقد ابنه عندما دهسته عجلات القطار، حيث تحول إلى كتلة من اللحم المفروم.
لماذا اختار هذه النهاية الدامية للقصة؟.
ولماذا لجأ إلى هذا العنف المفجع؟.
ثم، ما الذي يريد محمو تيمور أن يقوله لنا من خلال قصته؟.
اختار الكاتب هذه النهاية الدامية، كي يقول لنا إن حزن الشيخ عساف كان شديداً، وإن تعلقه بابنه كان مثالياً. وعليه، فهو يريد أن يقدس هذه القيمة الاجتماعية. وقد لجأ الكاتب إلى العنف الشديد ليجعل أحداث القصة ترسخ في أذهاننا مدة طويلة، وهي ترسخ في الذهن فعلاً نظراً لشدة كثافة العنف فيها. أما ما الذي يريد أن يقوله لنا محمود تيمور، فهو في تقديري، لا يتجاوز أن يكون دعوة للارتباط الحميم بين الابن وأبيه وبالعكس. ولكني أرى أن قصة كهذه، خرجت عن المغزى الذي يريده الكاتب، وتحولت إلى دعوة لكل الآباء الذين فقدوا أبناءهم، كي يموتوا بالطريقة نفسها. فالأب الذي مات ابنه دهساً، عليه أن يقتل نفسه تحت العجلات، والأب الذي مات ابنه يشرب الفليدول ، عليه أن يهبّ فوراً لشراء كمية مناسبة من هذه المادة السامة وشربها. .. وهكذا.