أمريكا لا تؤمن بمصطلحات ''الثوابت الوطنية'' و''الوطنية'' و''الوطن''، التي يعتبرها المثقفون الفرنسيون من بدع نابوليون بونابارت التي لا تغتفر. أمريكا تؤمن بديانة واحدة اسمها ''حرية المبادرة''. مهما كان لون بشرتك أو أصلك أو دينك أو انتماؤك الحضاري فذلك لا ينفعك بشيء في تدرّجك. المقياس الوحيد يتمثل في كفاءتك... لا أكثـر ولا أقل.
كان ألكسيس دي توكفيل قد قام بفحص للمجتمع الأمريكي في منتصف القرن الماضي وجاء باستنتاجات في كتابه ''من الديمقراطية في أمريكا''. وصل إلى خلاصة هامة تعطي للديمقراطية حقها ومجدها في أمريكا، بل أعطاها مدى مستقبليا واسعا. وصدق الرؤية مع أوباما الذي أضحى ظاهرة في حد ذاته كونه يدعم طرح توكفيل، كما تنبأ لدور المسيحية في المجتمع الأمريكي والتي أعطاها بوش الصغير كاريكاتورا أساء لطابعها الإنساني وتنبّأ كذلك لإزالة العنصرية التي تجسدت في جنوب إفريقيا وغيرها من التنبؤات.
عندما يتحدث السيد عوض، ممثل الجالية المسلمة بأمريكا، عن حالة المسلمين في أمريكا، نكاد لا نشاطره الرأي لأن مسلمي أمريكا يجدون فرص النجاح أكثـر مما يجدونها في بلدانهم الأصلية. ثم أن حرية المعتقد مضمونة في أمريكا أحسن بكثير مما هي عليه في الدول الأوروبية.
فعلا، لقد شوّهت أحداث الحادي عشر سبتمبر المسلمين لكنها لم تترك أثرا سلبيا في العلاقات. عكس ذلك، دفعت بالأمريكيين إلى اكتشاف الإسلام والمسلمين. وتقول الحكمة أن البشر يخشى ما يجهله.
إذا كان المسلمون يريدون تقليد اليهود في أسلوب استقطاب عطف الآخرين فذلك غير ممكن. وإذا كانوا يريدون اعتماد اللوبهات في توظيف مراكز النفوذ فذلك أيضا غير ممكن، لسبب بسيط أن الإسلام جاء متفتحا على العالم كله وليس خاصا بفئة من البشر. لذا يبقى المسلم عنصرا في المجتمع -أينما كان- قدوة ليس بالمظهر أو بالتظاهر إنما بسلوكه وعمله ومعاملته للآخرين.