تكليف الفتاة ...في سن البلوغ

عندما تصل الفتاة سن البلوغ وكانت عاقلة قادرة، فإنه يجب عليها أن تمتثل للتكاليف الإلهية التي تتمثل في شيئين:
1- الواجبات: كالصلاة وصوم شهر رمضان والحج والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأداء الزكاة والخمس وارتداء اللباس الشرعي. فهذه الأمور يجب عليها أن تؤديها وفق شروطها المحددة.
2- المحرمات: كشرب الخمر والكذب والغناء والإستماع إليه والسرقة والغش والغيبة والنميمة وعقوق الوالدين. وهذه الأمور يجب تركها.
ومثل هذه الفتاة يقال عنها أنها (مكلفة).
لماذا التكليف؟
قد تتساءل: لماذا يكلفنا الله تعالى بالواجبات والمحرمات؟ أليس الله غنيا عنها؟ أليس الله غير محتاج لأعمالنا؟ إذا لماذا التكليف؟
ولعل الإجابة المختصرة تكون في كلمة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام إذا يقول [إنه لم يامرك إلا بحسن ولم يذهك إلا عن قبيح].
فالله عز وجل يريد للإنسان سعادته ونجاحه، هذا الإنسان الذي يعيش في عالم لا يخلو من الشر. الكثير من الأشياء في الدنيا تبدو جميلة ولذيذة، ونحسبها السبيل للسعادة، إلا أنها في حقيقتها ليست إلا أمورا قبيحة، لا تدوم متعتها ولذتها إلا لأمد محدود، ثم بعد ذلك تظهر آثارها السيئة، فتكون سبيلا للتعاسة والشقاء.
ولهذا وهب الله سبحانه وتعالى الإنسان العقل ليرشده إلى الحسن ويميز له القبيح وليدفعه نحو السعادة ويجنبه الشقاء. ولكن بما أن المغريات كثيرة، ووسائل الإنحراف والخداع متنوعة- حتى قد يخلط البعض بين الخير والشر، بين الحق والباطل- فلذلك بعث الله رسله ليعينوا الناس في معرفة الخير والشر، وتمييز الحق عن الباطل، وإرشادهم إلى طريق السعادة الحقيقية واجتناب سبل الضياع والشقاء.
وخلاصة القول: إن التكاليف الإلهية ما هي إلا وسيلة لتكامل الإنسان وبلوغه السعادة الحقيقة.
* شرائط التكليف:
شرايط التكليف ثلاثة: البلوغ- العقل- القدرة.
ولنتناول معا هذه الشرائط بشئ من التفصيل.
الشرط الأول (البلوغ):
(يا أيها الناس إن كنتم في ريب من البعث فإنا خلقناكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة مخلقة وغير مخلقة لنبين لكم ونقر في الأرحام ما نشاء إلى أجل مسمى ثم نخرجكم طفلا ثم لتبلغوا أشدكم ومنكم من يتوفى ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكيلا يعلم من بعد علم شيئا).
يمر الإنسان في حياته بمراحل نمو متعددة، منها مرحلة البلوغ والتي يعبر عنها القرآن الكريم بـ (بلوغ الحلم) يقول عز وجل (وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم).
فالبلوغ- هو الخروج من حد الطفولة والصبا إلى حد الكبر، فالله عز وجل وبرحمته الواسعة لم يوجب على الأطفال الذين لم يبلغوا بعد أن يصلوا يصوموا ويحجوا وغير ذلك من الواجبات، إذ لا قدرة لهم عليها.
ولكن متى ما بلغت هذه الطفلة واستوفت باقي شرائط التكليف، فقد تهيئات للقيام بالتكاليف الإلهية، شأنها شأن من بلغت الثلاثين أو الأربعين من عمرها.
* بداية البلوغ:
يتحقق البلوغ عند الفتاة بإكمالها تسع سنوات قمرية، وهو ما يعادل ثمان سنوات وسبعة أشهر تقريبا بالسنوات الشمسية.
* الشرط الثاني (العقل):
وهو ثاني شرائط التكليف، فقد تكون الفتاة بالغة من حيث السن، إلا أنها فاقدة لهذا الشرط المهم، وهو العقل. فالشخص المجنون يسقط عنه التكليف مهما بلغ من العمر والقوة الجسدية، ففي حديث عن النبي (ص) أنه قال: (إن الله عز وجل لما خلق العقل قال له أقبل فاقبل، ثم قال له أدبر فادبر، فقال تعالى: وعزتي وجلالي ما خلقت خلقفا هو أكرم علي منك، بك أثيب وبك أعاقب، وبك آخذ وبك أعطي).
* الشرط الثالث (القدرة):
قال الله عز وجل: (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها).
فالتكاليف الإلهية متناسبة مع قدرات الناس بشكل عام، إلا أن بعضا من الناس قد يحرم من نعمة الصحة مثلا فلا يستطيع الصوم، وبالتالي يكون فاقدا لشرط القدرة، فإذا لم يصم فإنه سيكون معذورا عند الله تعالى. ولهذا يقوم الإمام الحسين عليه السلام: [ما أخذ الله طاقة أحد إلا وضع عنه طاعته، ولا أخذ قدرته إلا وضع عنه كلفته].
هذه هي الشرائط الثلاثة التي يجب أن تتوفر كي تكون الفتاة مكلفة ومحاسبة على أفعالها وتروكها.. هل تبدو لك التكاليف الإلهية صعبة وشاقة؟
قد تستصعبين الأمر في بدايته معتقدة أنها خارجة عن حدود قدراتك، إلا أن الواقع بخلاف ذلك تماما، فأنت تعلمين أن الله عز وجل هو الرؤوف الرحيم، وهو أرأف على الإنسان من الأم على طفلها، ولهذا فإنك ستجدين التكاليف الإلهية يسيرة قليلة وتتناسب مع حاجاتك الجسدية والروحية، ومتوافقة مع ما يحكم به العقل والضمير الحي والخلق القويم.
خصائص التكليف:
تمتاز التكاليف الإلهية- بمجموعة من الخصائص من بينها:
1- اليسر في التكيف:
فمن لطف الله عز وجل أن جعل أوامره ونواهيه يسيرة، وهو القائل (ما جعل عليكم في الدين من حرج)، وقال عز اسمه (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر). ولا يعني ذلك أن للناس الحق في الإلتزام بما يشاءون من التكاليف وترك ما يشاءون، وأن يعمل كل شخص وفقا لرأيه وهواه، بل معنى ذلك أن التكاليف الإلهية متصفة باليسر، وأن من لتزم بها لن يجد صعوبة كبيرة في إنجازها. فالإنسان يمتلك قدرات وطاقات ضخمة تمكنه من أداء تكاليف أصعب وأشق.
2- اليسر في الكم (القلة):
علاوة على كون التكاليف الإلهية يسيرة في كيفيتها، فإنها يسيرة أيضا من حيث قلتها:
(أ‌) قليلة بالقياس إلى القدرة الذاتية، فالإنسان يمتلك القدرة على أداء المزيد من التكايف. وقد روي عن الإمام جعفر الصادق (ع) أنه قال: (والله، ما كلف الله العباد إلا دون ما يطيقون، إنما كلفهم في اليوم والليلة خمس صلوات، وكلفهم في كل ألف درهم خمسة وعشرين درهما، وكلفهم في السنة صيام ثلاثين يوما، وكلفهم حجة واحدة، وهم يطيقون أكثر من ذلك).
(ب‌) قليلة بالقياس إلى مقدار الثواب، فالثواب الإلهي الذي سيحصل عليه الإنسان المؤمن الملتزم بالتكاليف عظيم جدا ولا يقاس به مقدار الأعمال التي يأتي بها هذا الإنسان.
يقول أمير المؤمنين (ع): (واعلموا أن ما كلفتم به يسير، وأن ثوابه كثير).
3- تلبية متطلبات الإنسان: عندما شرع الله تعالى التكاليف، فإنها لاشك كانت في صالح الناس ولتلبي متطلباتهم الروحية والجسدية. فلا يخلو أن تشريع إلهى من حكمة ومصلحة، وإن كنا أحيانا نجهلها. وقد سئل الإمام محمد الباقر عليه السلام (لم حرم الله الخمر والميتة والدم ولحم الخنزير؟) فقال: [إن الله تبارك وتعالى لم يحرم ذلك على عباده وأحل لهم ما وراء ذلك (أي سائر المأكولات كلحم الغنم والبقر، والمشروبات كالماء وعصير الفواكه) من رغبة فيما أحل لهم، ولا زهد فيم حرم عليهم، ولكنه عز وجل خلق الخلق فعلم ما تقوم به أبدانهم وما يصلحهم، فاحله لهم وأباحه لهم. وعلم ما يضرهم فنهاهم عنه...].
ولكنك قد تتساءلين: (كيف نعرف أن وراء هذه الأحكام الشرعية مصلحة لنا بينما نحن نجهل الحكمة من تشريع بعض الأحكام؟) والإجابة بسيطة:
أولا: إننا وإن لم ندرك بعقولنا القاصرة الحكمة وراء لكل التشريعات الإلهية، إلا أن إيماننا بالله عز وجل وبصفاته التي منها (الحكيم) و(العليم)، يجعلنا نؤمن كل الإيمان بأن التشريعات الإلهية كلها في صالحنا.
ثانيا: إن خفاء حكمة بعض التشريعات عنا أيضا له فلسفته الخاصة، إذ يريد الله عز وجل أن يكشف لنا مدى طاعتنا وعبوديتنا له، فبمقدار ما نستجيب لتكاليفه- وإن لم نعرف حكمتها-، كلما زادت عبوديتنا له سبحانه وتعالى.
4- موافقة العقل:
أحكام الدين التي جاءت بها الرسل تتوافق مع العقل السليم، فكلاهما يرشدان إلى كل ما هو حسن. وقد روي عن أميرالمؤمنين عليه السلام أنه قال: [لو لم ينه الله عن محارمه لوجب أن يجتنبها العاقل].
إن التكليف الإلهي يأتي تأكيدا لحكم العقل باتباع الأمور الحسنة والإجتناب عن الأمور القبيحة، ولهذا يقول الإمام علي عليه السلام: [لو كنا لا نرجو جنة ولا نخشى نارا ولا ثوابا ولا عقابا لكان ينبغي لنا أن نطلب مكارم الأخلاق فإنها تدل على سبيل النجاح].