قصة من الواقع...نحو أدب هادف
أحلام وحلفاء...
كان الإعياء قد أخذ منه كل مأخذ ،وكانت سنوه
الخمسون تحفر في وجهه اخاديدا عميقة تخفي داخلها مأساة بعمر الدهر.
في
تلك العشية الباردةظل الهواء يندفع بقوة يضرب بشفراته الحادة جدران السوق القديم
لبلدة المقرن1 الوادعة .هذه البلدة التي عاشت أزهى أيامها قبل الاستقلال يوم كان أهل
سوف ييممون شطرها بحثا عن لقمة العيش في سوقها القديم الذي كان ينتصب فيه ألف
حانوت وحانوت ...
ظل ابنه الصغير يلاحق ما بقي من ضوء الشمس
وقدماه العاريتان تنتعلان الدمامل قد غطاهما العفن والحشن ،وبقي الصغير يدفع عنهما
أسراب الذباب الوقحة ..ظل المسكين يمسك قدر الدابة بحبل يمسك به هول المأساة ...عربةحلفاء
أعياه ترقب من يشتريها من بعد صلاة العصر الى أن نودي لصلاة المغرب وأنى له ان
يعرف معنى الصلاة وهو ما ذاق الماء طعم جسمه المهترئ بل ومنذ أن بشرت به أمه ...
في تلك العشية قذفت بي حاجيات البيت الى باحة
السوق كنت اختبئ داخل معطفي وفرائصي ترتعد من شدة ما بي من البرد. وكان ما ارتديه
لا يشفع لي، فالبرد كان يزمجر عاليا يوقظ أصحاب الاحلام الكاذبة ويشدهم الى واقعهم
اللاوردي ،عبثا حاولت أن افهم حقيقة هؤلاء الناس ففي هذه البلدة يفظلون النوم
مستيقظين ..فقد كانوا يمرون بهما غير آبهين ، فلما وقع نظري عليهما رجعت القهقري
فزعا لأني اعرف التمثالين بعض المعرفة ،وساءلت نفسي الفزعة أيمكن أن يقتات الانسان
من المأساة؟ ضاعت زفراتي بين صفير الريح وكومة الحلفاء التي كان يحملها حماربائس
مكدود أنهكه طول الرحلة وقلة الزاد ...كان حلم الصغير أن يبيع هذه الحلفاء في هذا
السوق الكنود ويشتري بثمنها أحلاما يعيش بها بقية طفولته المغبرة وقفت مشدوها ابكي
على الفضيلة واندب قوما جمعوا المال ومنعوه عن فقيرهم .. لم ابك يوما كما بكيت تلك
العشية وزارني طيف ابن الخطاب يوبخني
ففزعت اركض نحو الرحمة اعتصر منها ما زاد عن حاجتي واسقي تلك البراءة من عبق
النبوة ،وتركت الصغير وعلى شفتيه ابتسامة بلهاء وقد ملا الفرح اقطار قلبه وقفل الشبحان يحثان الخطى الى
مربضهما في اعالي الحمادين2 تعسا لها من بلدة لا تفكر الا في من يفكر فيها
...تالله ما كان ذاك حلمي الذي خرجت من اجله، عفوا ولكنه كان حلما مستطابا .. قال لي
صاحبي اكان لزاما عليك ما فعلت قلت: وهل كان لزاما عليك ان تتدخل فيما لا يعالله يهديك
وسكت كل واحد منا على مضض..وتركنا الله يفعل ما يشاء.
-------------------
1
المقرن : بلدة قديمة 30 كلم الى الشمال من الوادي (جنوب شرق الجزائر )، مركز
الدائرة بالناحية. سكنها الامازيغ باسم وادي الجردانية.
2
الحمادين : احدى قرى المقرن ، منطقة فلاحية مشهورة ، اسست حديثا، يمر عبرها طريق
بسكرة الجديد المعروف بطريق الفيض.