الغيرة
ما هي الغيرة؟
هل تحس بالغيرة؟ ممن تغار ولماذا؟
إن الغيرة “Jealousy” في الحقيقة هي شعور يتناب بعض الأفراد في مراحل حياتهم المختلفة وبدرجات مختلفة، إنها شعور قد يحس به الطفل والمراهق والأزواج على اختلاف أعمارهم ودرجة تعليمهم.
ماذا قالوا في الغيرة؟
عرف "جوردن جلانتون" أستاذ الاجتماع الأمريكي الغيرة بأنها قد تكون عاطفة كريهة تولد في صاحبها قلقاً ورغبة في التملك.. وقد تكون استجابة صحيحة عندما نرى حبنا لشخص معرضاً للخطر، فالغيرة قد تكون حماية للحب.
لكن يجب أن نسأل أنفسنا: هل هذا الخطر الذي نتصوره حقيقة أم لا؟
لماذا تغار من شخص ما؟!
ما الذي يملكه الشخص الآخر حتى نشعر بالغيرة نحوه؟ هل يملك مهارة أكثر أو جاذبية أقوى، أو ثقة بالنفس أعمق، أو بسبب أمواله أو حالته الاجتماعية أو درجاته العلمية؟
ليس المهم هو سبب هذا الشعور إذ أن الغيرة كما يقول علماء النفس تأتي نتيجة الإحساس بالنقص الذي يؤكد عدم الإحساس بالأمان، وعندما يشعر المرء بالأمان لا يكون هناك مجال للغيرة، فالغيرة تحدث من الشعور بالتهديد والفشل وعدم الأمان والإنعزال، سواء أكان هذا النقص حقيقياً أم مجرد تصور، فليس هناك اختلاف طالما أن الغيرة هي حقيقة بالنسبة للشخص الذي يحسها.
ما الفرق بين الغيرة والحسد؟
وتتميز الغيرة بالخوف الذي يسيطر على إنسان ما فقد حقه الذي كان يتمتع به لدى شخص آخر، كما أن الغيرة قد تعرض من يعاني منها لتهديد يفقد اعتداده بنفسه وعلاقاته القيمة، وقد يكون هذا التهديد فعلياً أو كامناً في أعماقه أو مجرد وهم!
أما الحسد “Envy” فهو أن يشتهي الشخص ما يملكه غيره مع ادعائه بأن ذلك "الغير" لا حق له في الشيء الذي يملكه!
ومن خلال الدراسات التي أجريت على الغيرة، وضع بعض الباحثين تعريفات كثيرة للغيرة، فقد وصفت بأنها "صرخة ألم" و"ظل الحب" و"الخوف من الإبادة".. كما أنها ليست عاطفة واحدة بل عدة عواطف تشمل الغضب والقلق والكراهية والاحتقار والخجل والحزن!
الغيرة في الحضارات المختلفة:
وتختلف مشاعر الغيرة باختلاف الشعوب، فهناك حضارات تكثر فيها الغيرة، وأخرى تقل فيها. وقد أجرى العالم النفسي "رالف هوبيكا" دراسة على عدد من المجتمعات البشرية على مدى قرنين من الزمن، فوجد اختلافات كثيرة في انتشار الغيرة وطريقة التعبير عنها، فمثلاً تقل الغيرة جداً بين أفراد قبائل "التوداس" في جنوبي الهند على حين تزداد جداً بين الهنود "الأباشي" بشمالي أمريكا.. وطبقاً لهذه الدراسة فإن الغيرة قليلة بين "التوداس" لأن حضارتهم لا تشجع على الامتلاك تجاه الأشياء أو الناس، فليس هناك مجال للغيرة بين الناس.. أما "الأباشي" فإن الرجال منهم يتأخرون في الزواج بسبب عراقيل اجتماعية تقليدية، فمتى تزوج الواحد منهم، فإنه يغار جداً على زوجته ويعتبر أن أولاده ممتلكات شخصية فإذا رحل بعيداً عن منزله في عمل ما فإنه يختار أحد أقاربه الموثوق بيهم، ليراقب زوجته خلسة ويكتب له تقريراً عن تصرفاتها طوال غيبته!
بين عض الأنف ورفض غسل الثياب!
ولا توجد هناك طريقة واحدة للتعبير عن الغيرة بين الشعوب والقبائل فالسيدة في "سامو" تعودت أن تعض غريمتها في الأنف، على حين تعود الزوجة من قبائل "الزوني" في المكسيك إلى زوجها الذي هجرها فترة، مع رفضها غسل ملابسه. أما قبائل الهضبة بشمال روديسيا، فكل الجماعة تنتقم للزوج الغيور بشد الزوجة الخائنة وصديقها إلى أعمدة وخرق جسديهما بأسياخ حامية، وفي قبائل أمريكا الشمالية من “Hidatsa India” للزوج الحق في قتل زوجته الخائنة إذا ما أراد ذلك.
هل الغيرة موروثة أم مكتسبة؟!
اختلفت آراء علماء النفس حول ذلك، إذ نجد "هوبكا" يقول عن أصل الغيرة: "إنها ليست غريزة، فهي تختفي بعملية التأميم في بعض الأقطار. أما كينسي وبعض أساتذة علم الأحياء الشرقيين، لا يوافقون على هذا الرأي ويرجحون أن الغيرة متوارثة.
و"وتيودور روبين" يرى أن الغيرة "تولد من الشعور بأن لدينا القليل الذي نقدمه بالمقابلة مع شخص آخر".
العلاقة بين الشخصية والغيرة أجرى فريق من علماء النفس دراسة على مائة شخص بين رجل وامرأة تتراوح أعمارهم بين 20 و 50 عاماً.
أظهرت الدراسة أن هناك علاقة متبادلة بين الغيرة وبين الصفات الشخصية والظروف والأحداث.. وأن الغيرة تتفق مع الإحساس بالقلق وعدم تقدير الذات، كما أن الأفراد الأقل تعليماً هم الأكثر حساسية للغيرة، إذ أن نقص التعليم يقلل من اعتدادهم الذات.
كما أوضح البحث أن الأفراد الذين يعانون من الغيرة بسبب الشك في خيانة الطرف الآخر لهم، يكونون هم أنفسهم خائنين، إذ أن لا خائن يظن أن الآخرين خونه مثله. ولذلك فالزوج غير الأمين في حياته الزوجية يشك في أمانة زوجته واخلاصها، وهكذا يقع هو فريسة للغيرة.
الغيرة وعدم السعادة:
وقد أوضح البحث أيضاً أن الأفراد الذين يعانون من الغيرة، يبدون غير سعداء، ويلاحظ أن الغيور يمكن اشعال غيرته بسرعة، ومن الصعب عليه اخفاء ما يشعر به عن المحيطين به. كما أسفر البحث عن أن الأشخاص الذين يعتمد اعتدادهم بأنفسهم، على رأي المحيطين بهم، يعانون – عادة – من الغيرة. ولاحظ الباحثون أن الشخص الغيور يعتبر أنه لا يصلح كرفيق.
أيهما أكثر غيرة: الرجل أم المرأة؟!
دلت الدراسات العملية على أنهم ظلموا المرأة عندما اتهمها العامة بأنها أكثر غيرة من الرجل، فقد أكد علماء النفس أنه لا يوجد اختلاف بين الرجل والمرأة بالنسبة للغيرة، لكن دراسات أخرى كشفت عن أن المرأة هي أكثر من تحاول أن تشعل غيرة الرجل، وعندما يهدد أي متطفل علاقتها الوثيقة بأحد، فإن المرأة تحاول حماية تلك العلاقة، على حين يركز الرجل – غالباً – على المحافظة على كرامته.
هل الغيرة دليل الحب؟
يقول علماء النفس إن الحب عنصر هام في مكونات الغيرة! إذ لابد أن يتوفر هذا الحب عند وجود الغيرة، فلا يمكن أن يغار شخص على إنسان لا تربطه به عاطفة الحب، ولكن الغيرة بين الأزواج أو المحبين يدخلها عنصر التملك، فالغيرة تنشأ هنا حين يشعر الزوج أو الزوجة – بأن ملكيته ستضطرب. وفيما يتعلق بالقول بأن المرأة أكثر غيرة على الرجل منه عليها، فإن الأطباء النفسانيين يقولون إن ذلك يتوقف على المجتمع، ففي المجتمعات الشرقية الرجل هو الذي يختار وهو الذي "يمتلك" زوجته وهو أيضاً الذي يستطيع أن يتركها، فالتهديد يفقد الملكية كعامل مثير للغيرة، سيكون من جانب الزوجة، وهذا يؤدي إلى أن تكون هي أكثر غيرة من الرجل.
لكن هذا لا يمنع من أن تحدث الغيرة أيضاً عند الرجل حين يشعر أن "ملكيته" لزوجته مهددة.
وكلما ارتقى المجتمع وازداد شعور الرجل بحرية المرأة، وشعرت المرأة بالاطمئنان على حياتها، كلما قلت الغيرة وأصبحت الحياة الزوجية أكثر نجاحاً، بحمايتها من الغيرة.
نصيحة عالمة نفس للزوجة التي تشكو غيرة الزوج:
وتنصح عالمة النفس الكاتبة "آني جوتليب" الزوجة التي تشكو من غيرة الزوج أن تحاول معرفة دوافع الغيرة عنده، وتتخلى عن التصرفات التي تبعث الغيرة والضيق في نفس الزوج، وأن تناقش شكواه بصدق ومرونة، وتؤكد له أهميته في حياتها، كما أن عليها أن تتخذ مواقف حازمة وواضحة عندما يشعر الزوج بنوبات الغيرة، ولا تقبل أي تصرفات طائشة منه.
ومهما كان الدافع للغيرة، فإن نصيب كل إنسان من المميزات يختلف عن الآخر، فالشخص الثري قد يغار منه شخص آخر، لكنه سرعان ما يدرك أن الله حباه بما هو أهم من الثروة كالتعليم والصحة اللذين لا يملكهما الثري وهكذا يرضى بنصيبه.
منقول