كما تمرض الأجساد و تعتورها أعراض المرض من شحوب وهزال وضعف، كذلك تمرض الأخلاق، وتبدو عليها سمات الاعتلال ومضاعفاته، في صور من الهزال الخلقي، والانهيار النفسي، على اختلاف في أبعاد المرض ودرجات أعراضه الطارئة على الأجسام والأخلاق.
وكما تعالج الأجسام المريضة، وتسترد صحتها ونشاطها، كذلك تعالج الأخلاق المريضة وتستأنف اعتدالها واستقامتها، متفاوتة في ذلك حسب أعراضها، وطباع ذويها، كالأجسام سواء بسواء.
ولولا إمكان معالجة الأخلاق وتقويمها، لحبطت جهود الأنبياء في تهذيب الناس، توجيههم وجهة الخير والصلاح، وغدا البشر من جراء ذلك كالحيوان وأخس قيمة، وأسوأ حالا منه، حيث أمكن ترويضه، وتطوير أخلاقه، كالفرس الجموح يغدو بالترويض سلس المقاد، والبهائم الوحشية تعود داجنة أليفة.
فكيف لا يجدي ذلك في تهذيب الإنسان، وتقويم أخلاقه، وهو أشرف الخلق، وأسماهم كفاءة وعقلا؟؟
من أجل ذلك فقد تمرض أخلاق الوادع الخلوق، وبغدو عبوسا شرسا منحرفا عن مثاليته الخلقية، لحدوث إحدى الأسباب التالية:
1 ـ الوهن والضعف الناجمان عن مرض الإنسان واعتلال صحته، أو طرو أعراض الهرم والشيخوخة عليه، مما يجعله مرهف الأعصاب عاجزا عن التصبر، واحتمال مؤونة الناس ومداراتهم.
2 ـ الهموم : فإنها تذهل اللبيب الخلوق، وتحرفه عن أخلاقه الكريمة،وطبعه الوادع.
3 ـ الفقر : فإنه قد يسبب تجهم الفقير وغلظته، أنفة من هوان الفقر وألم الحرمان، أو حزنا على زوال نعمته السابقة، وفقد غناه.
4 ـ الغنى: فكثيرا ما يجمح بصاحبه نحو الزهو والتيه والكبر والطغيان، كما قال الشاعر:
لقد كشف الإثراء عنك خلائقا من اللؤم كانت تحت ثوب من الفقر
5 ـ المنصب: فقد يحدث تنمرا في الخلق، وتطاولا على الناس، منبعثا عن ضعة النفس وضعفها، أو لؤم الطبع وخسته.
6 ـ العزلة والتزمت: فإنه قد يسبب شعورا بالخيبة والهوان، مما يجعل المعزول عبوسا متجهما.