الإنسان بفطرته كائن اجتماعي وطوال عمره في رحلة بحث دائمة ودءوبة عن السلام الداخلي والعثور على إنسان حوله يشعر بوجودهم بالأمان متى ما انكشفت ستائر أسراره عن فمه.. يحتاج دائماً إلى من يهدهد الطفل في أعماقه، ويقتسم معه رغيف الحزن وماء الحلم.. نحن جميعاُ نحتاج إلى شخص واحد يهتم على الأقل بنا ، شخص نراه ونسمعه بصدق .. نلتصق به كالتصاق الورقة بالغصن، ونلتقي به كالتـقاء الوردة بحبات المطر، شخص واحد على الأقل بشرط أن يرعى بإخلاص وحب وعمق.. أحياناًً قد تكفي إصبع واحدة لتحول دون انهيار السد الكبير.. وقد تأتي شمعة واحدة لتـنـير كل الظلام المخيف.. وقد تؤدي لمسة واحد حانية إلى تجفيف منابع الحزن.. وقد تغير ابتسامة حب صادقة الواقع المؤلم إلى أمل مشرق.. فتقرأ لـ " تشكيوف " في مسرحية النورس: " إني وحيد في هذا العالم.. وحيد ليس هناك عاطفة تشرقني بدفئها.. أشعر بصقيع الغربة.. ببرد الوحشة.. كما لو كنت أحيا في قبو معتم ". وهذه العبارة يشعر بها المرء تماماً حينما تخلو حياته من حبيب أو صديق يبدد عنه سحابة الحزن التي تغشاه، وبشاعة الحياة التي يعيشها .. " كم هو مخيف ظل العصفور وهو وحده بلا أليف .. حينما يرحل قبل أن تغيب الشمس أو تجيء الريح " . فالوحدة شديدة المرارة والغربة موجعة ليس في طاقة المرء أن يتحملها وكما يقول " ألبير كامي " في روايته " الطاعون ": " ليس في طاقة المرء أن يظل دائماً وحيداً " .