لم يكن الزواج بالنسبة لكثيرٍ من الجزائريات نهاية المطاف، ولم يكن الإنجاب آخر محطة لطموحاتهن.. فقد قررن منافسة أبنائهن في التعلم وأيضًا في النجاح.
وبعد أن مثل لهن امتحان البكالوريا في مرحلة المراهقة والشباب حزنًا وخيبة أمل.. عاد ذات الامتحان في مرحلة الكهولة ليمثل لهن فرحة العمر.
سليمة بجيجل (50 عامًا) واحدة من هؤلاء النسوة كانت قد خاضت شهادة البكالوريا لأول مرة عام 1980، وعندما فشلت في دخول الجامعة تزوجت، ونسيت لفترةٍ الألم الذي تركه فيها هذا الفشل، غارقة في مشاكل أولادها، خاصة أن معظمهم الآن في المرحلة الثانوية.
لكنها قررت دون أن تخبر زوجها ولا أبناءها بخوض التجربة من جديد، فقامت بالتسجيل في إحدى المدارس، وباشرت دراستها بالمراسلة.
ولمزيدٍ من السرية كانت تستقبل بريد المدرسة لدى عنوان صديقاتها، وتستغل فرص خلو البيت من الأهل لتخطف بعض الدروس أو خلال فترة الفراغ أو الراحة في المؤسسة التي تعمل بها، واضعةً في اعتبارها أنها ليست أقل من أبنائها.
ومع مرور الوقت، اقتنعت أنه بإمكانها أن تنجح، فاشتد اجتهادها ولاحظ أبناؤها أنها تقوم بتمتمات أشبه بالحفظ السري، ولكن لا أحد منهم تصور أن أمه التي ودَّعت الدراسة قبل أن يولد هو، تعود إليها بهذه الطريقة، أي بعد حوالي ثلاثين سنة من الانقطاع.
وبالفعل خاضت سليمة البكالوريا في شعبة الآداب والعلوم الإنسانية لتحقق نجاحًا مرضيًا، وتحلم الآن بالانضمام إلى معهد الحقوق، بحسب صحيفة الشروق الجزائرية.
وفي ليلة الإعلان عن النتائج جلست سليمة بجوار هاتفها النقال وكأنها تنتظر اتصالاً.. ثم صاحت في هستيريا "لقد نجحت.. لقد نجحت" لتغمر الفرحة أرجاء البيت، وتتحول الأم لمصدر فخر أكبر لأبنائها.
نموذج آخر
"سامية رخاس" نموذج آخر لجزائرية عادت إلى البكالوريا بعد أكثر من عقدين على الفراق لتذهب مرارة الفشل القديم بحلاوة النجاح هذا العام.
سامية البالغة من العمر "47 ربيعًا" ولديها ثلاثة أبناء، كانت قد خاضت امتحان البكالوريا لآخر مرة عام 1986، لكنها فشلت في اجتيازه، ليكون مصيرها الزواج والانشغال بتربية الأولاد.
وبعد 23 عامًا عادت لتحيي حلمًا قديمًا كانت قد أجلته، لتلتحم بالدراسة من جديد حتى تمكنت من خوض الامتحان وتحقيق النجاح مع أبنائها.
حلم العمر
"سميرة غلام" جزائرية أخرى لم تفقد الأمل في تحقيق حلم حياتها في الحصول على البكالوريا التي فارقتها منذ 1992، ومكثت في البيت وهي لا تفهم لماذا كانت دائمًا الأولى من المرحلة الابتدائية إلى الثانوية لكنها فشلت في النجاح في شهادة البكالوريا.
وبمساعدة زوجها قامت سميرة بتقسيم وقتها ما بين أطفالها وشغل البيت طوال العام الدراسي حتى حصلت على الشهادة، وانتسبت لمعهد المدرسين على أمل أن تحقق حلم العمر في تدريس الأجيال.
وتعلق والدتها "عروي العطرة" (75 عامًا) بالقول إنها أم لأبناء فشلوا جميعًا في رسم فرحة البكالوريا على شفتيها.. لأجل ذلك عندما نجحت ابنتها سميرة بكت كثيرًا.
تعليقات حول الموضوع