الجزائر بلد عربي مسلم، شديد التمسك بإسلامه رغم بلائه باستعمار صليبي فرنسي حاقد ليس كمثله شيء، حاول طيلة أكثـر من قرن أن يفصله عن هويته: لغة ودينا وانتماء، وقد فشل هذا الاحتلال الاستيطاني في بلوغ مقصده وتحويل الجزائر إلى قطعة متصلة بفرنسا!
لقد تعرض الإنسان الجزائري في هذه الفترة العصيبة من تاريخ الجزائر إلى كل أشكال الاستعمار، ومن ذلك سياسة التجهيل وفصله عن المعرفة العلمية والإنسانية التي اعتمدها المستعمر حتى يسهل السيطرة عليه وتحريكه كالدمية، ولكن الله هيأ لهذا الشعب مجموعة من العلماء الجزائريين، وصنعهم الله على عينه، توحدوا على مقاومة مؤامرة المسخ الثقافي والفكري، وإعادة وصل الشعب الجزائري بقيمه وأصالته ولسانه العربي، فنجحوا نجاحا باهرا في سعيهم، وحققوا بوسائل متواضعة ما أحيا في الفرد الجزائري روح الانتماء لتاريخه، وقوة التمسك بأرضه، وإرادة الانعتاق من الاستعمار بالجهاد والتضحية.
إن الجزائر اليوم أحوج ما تكون إلى علماء ربانيين مخلصين يكونون منارات للشعب الجزائري يوجهونه توجيها صحيحا في الدين والدنيا، ويرشدونه إلى الخير، ويحذرونه من الشرور التي أصبحت في زماننا هذا تلبس لباسا خداعا وتتسمى بأسماء الفضيلة لتغري العوام وتجرهم إلى ما لا يحمد عقباه.
والجزائر بحمد الله ليست عقيما، فهي تملك المئات من أهل العلم أصحاب الكفاءة المعرفية والخلقية، الذين يمكن الرجوع إليهم والاستفادة منهم والركون إلى رأيهم، وهم قادرون على أن يكونوا مرجعيات معتبرة لشعبهم، بل ولشعوب العالم الإسلامي بالجملة، لكنهم للأسف أصابهم التهميش ونالهم التقزيم وأضاعهم الإعلام الرسمي وغير الرسمي الذي يحتفي بكل ما هو غير جزائري ولا يلقي بالا للكفاءات الجزائرية التي تجد من الاهتمام الكبير في الخارج أكثـر مما تجده في الداخل!
لقد أحزنني -رغم حبي الشديد للعلماء في كل الأقطار الإسلامية- أن يصل بنا الحال إلى مرحلة تستنجد فيها الدولة الجزائرية -من خلال بعض المؤسسات الرسمية وغير الرسمية- بعلماء ودعاة من الخارج ليوجهوا شبابها ويرشدوهم وينصحوهم، ويفسح لهم المجال لمخاطبتهم على كل منبر، وكأن الجزائر خالية من أمثالهم، وصدق والله الشافعي حين قال: ''الليث أفقه من مالك إلا أن أصحابه لم يقوموا به''. ولعل قائلا يقول: إن استنجاد الجزائر بالعلماء والدعاة من الخارج راجع لكون الشباب لا يسمع إلا لهم ولا يثق في غيرهم من العلماء الجزائريين. وهنا السؤال الذي يجب أن يطرح بإخلاص ويجاب عليه بوعي هو: لماذا؟ كيف؟ وما السبيل إلى إنشاء مرجعية علمية جزائرية موثوق بها؟
إننا بحاجة إلى الاكتفاء الذاتي في صناعة المرجعية العلمية الدينية في الجزائر لأن سياسة الاستيراد سياسة ظرفية وهي من نوع المهدئات، لا تصلح الخلل، ولا تعالج المرض، ولا تستأصله من الجذور.