ما هذا؟ ولم السكوت على هذا المنكر؟
إن أشد من المنكر أن يسكت على المنكر، أن يحدث هذا ولا يجد المفطر المجاهر من يقول له: أيها المفطر اختبئ إن كنت معذورا، وإن كنت فاجرا فلا تظهر فجورك على الناس.
لم يفعل هذا الشعب، ولم تفعل هذا الشرطة، ولم يفعل ذلك أحد، فأين نحن؟! وكيف ننتظر نصر الله عز وجل إذا كنا نرتكب المنكرات عيانا بيانا، جهارا نهارا؟! ونصر الله لا يأتي إلا إذا نصرناه، والله تعالى قد حدد صفة المنصورين، الذين يستحقون نصره بقوله (… ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز * الذين إن مكناهم من الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور).
كيف يحدث هذا في بلد إسلامي، بل في بلد واجهته الإسلام، ويفتخر بالإسلام، كيف تحدث هذه المنكرات؟!
كنت أعلم من قديم أن الناس قد يتركون الصلاة، ولكن إذا جاء رمضان صلوا، وإذا جاء رمضان صاموا. كان الإنسان الفاجر … الإنسان الشرير، لا يجرؤ على انتهاك حرمة رمضان. كان لرمضان حرمة، وهيبة في قلوب الناس، حتى النصارى كانوا يتركون شرب الشاي والتدخين في مكاتبهم طوال نهار رمضان، رعاية لحرمته عند المسلمين، فليت شعري أين ذهبت هذه المهابة؟! وأين ضاعت هذه الحرمة؟!
إن النبي صلى الله عليه وسلم حذرنا من هذا العصر الذي تموج فيه الفتن كموج البحر، والتي تضل الناس عن عقائدهم ببريق المادة، وجاذبية الطين، يقول عليه الصلاة والسلام: (بادروا بالأعمال فتنا كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل مؤمنا، ويمسي كافرا، ويمسي مؤمنا، ويصبح كافرا، يبيع أحد دينه بعرض من الدنيا قليل)
ومن فتن هذا العصر التي حذرت منها الأحاديث: طغيان النساء، وفسق الشباب، وترك الجهاد في سبيل الله، وترك الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، بل اضطراب المعايير، حتى يرى الناس المعروف منكرا، والمنكر معروفا ! وهو ما جاء في الحديث الذي رواه أبو أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (كيف أنتم إذا طغى نساؤكم، وفسق شبابكم، وتركتم جهادكم؟ قالوا: وإن ذلك كائن يا رسول الله؟ قال: نعم والذي نفسي بيده وأشد منه سيكون. قالوا: وما أشد منه؟ قال: كيف أنتم إذا لم تأمروا بالمعروف ولم تنهوا عن المنكر؟ قالوا: وكائن ذلك يا رسول الله؟ ! قال: نعم والذي نفسي بيده وأشد منه سيكون. قالوا: وما أشد منه؟! قال: كيف أنتم إذا رأيتم المعروف منكرا والمنكر معروفا؟ قالوا: وكائن ذلك يا رسول الله؟! قال: نعم والذي نفسي بيده وأشد منه سيكون، يقول الله تعالى: (بي حلفت لأتيحن لهم فتنة يصير الحليم فيها حيران)
نحن في هذه الفتنة التي تذر الحليم حيران، ولكن لهذه الفتنة مخرجا واحدا، هو الرجوع إلى الإسلام، إلى القرآن … دستور هذه الأمة ومنهاجها الرباني. روى الترمذي عن على بن أبي طالب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ستكون فتن كقطع الليل المظلم. قلت: يا رسول الله وما المخرج منها؟ قال: كتاب الله تبارك وتعالى، فيه نبأ من قبلكم، وخبر من بعدكم، وحكم ما بينكم، هو الفصل ليس بالهزل، من تركه من جبار قصمه الله، ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله، هو حبل الله المتين، ونوره المبين، والذكر الحكيم، وهو الصراط المستقيم، وهو الذي لا تزيغ به الأهواء، ولا تلتبس به الألسنة، ولا تتشعب معه الآراء، ولا يشبع منه العلماء، ولا يمله الأتقياء، ولا يخلق على كثرة الرد، ولا تنقضي عجائبه، هو الذي لم ينته الجن إذ سمعته أن قالوا: إنا سمعنا قرآنا عجبا. من علم علمه سبق، ومن قال به صدق، ومن حكم به عدل، ومن عمل به أجر، ومن دعا إليه هدي إلى صراط مستقيم).
القرآن هو المخرج لهذه الأمة، لا القوانين الوضعية، ولا الأنظمة اليمينية أو اليسارية، إنه القرآن وحده، علينا أن نعود إليه ونتبع هداه، وقد ذكرنا رمضان بالقرآن، فرمضان شهر القرآن. يقول الله تعالى: (وهذا كتاب أنزلناه مبارك فاتبعوه واتقوا لعلكم ترحمون). فبركة القرآن في اتباعه والعمل بما فيه، والحكم بما أنزل الله فيه، ليست البركة فيه أن نعلقه لافتات للزينة، أو نقرأه على الموتى، أو نجعل منه حجبا للحبالى والأطفال. القرآن حرز للإنسانية كلها من الضلال، القرآن قد نزل ليحكم الأحياء لا ليقرأ على الأموات، القرآن نزل ليطبق في المحاكم لا ليتلى في المآتم، القرآن دستور هذه الأمة، فينبغي أن نعود إليه، لنتدبر آياته، ونحسن فقهه، نحسن تطبيقه، ونجعله لنا خلقا، كما وصف النبي صلى الله عليه وسلم بأن خلقه القرآن (كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكروا أولوا الألباب