قد شاع بين بعض من الناس اليوم ما ينافي الأدب والاحترام في تعاملاتهم وسلوكياتهم ، فنحن نرى من ينادون من هو أكبر منهم سناً ومقاماً باسمه مجرداً من صِفَتِه ، وليس هذا من الأدب في شيء ، فنحن وقد أنعم الله علينا بنعمة الإسلام ، لابد أن نتأدبَ بأدب الإسلام ، فقد قال عليه وآله الصلاة والسلام : " إنَّ مِنْ إِجْلال الله تعالى إكرام ذي الشيبة المسلم .." ..[ حديث حسن ، النووي ـ التبيان : 35 ] .
ولابد أن نربي أولادنا على هذا منذ صِغرهم ، وعلى غيره مـن الآداب ، فالكبير له معاملة، والصغير له معاملة، العالم له معاملة، الجاهل له معاملة تليق به، الرجل له معاملة، المرأة لها معاملة، من الظلم للإنسان أن يعامل الكبير معاملة صبي صغير، من الظلم أيضاً أن يعامل الصغير بمنزلة شيخ كبير، أو جاهل تنزله منزلة عالم، وتحمله مسؤولية مثل العالم، أو عالم تعامله معاملة جاهل فلا تحترمه ولا تقدره حق قدره، ...
قال الإمام الغزالي : (( ويُعَوَّد ـ أي الصبي ـ أن لا يبصق في مجلسه ، ولا يتمخّط ، ولا يتثاءب بحضرة غيره ، ولا يضع رجلاً على رجل ، ويُمنَع من كثرة الكلام ، ويُعَوَّد أن لا يتكلم إلا جواباً ، وأن يحسن الاستماع إذا تكلم غيرُه ممن هو أكبر منه ، وأن يقومَ لمن هو فوقه ويجلس بين يديه ، ويُمنع من فُحش الكلام ، ومن مخالطة من يفعل ذلك ، فإنَّ أصل حفظ الصبيان حفظهم من قرناء السوء )) . فإن لم يتربى الأولاد على الأدب في صغرهم ، فمتى يتربون ؟! .
قد ينفع الأدبُ الأولادَ في صغر *** وليس ينفعهم من بعــده أدبُ
إنَّ الغصون إذا قوّمتها اعتدلت *** ولن تلين إذا قومتها الخُشُبُ
كما أنك ترى من لا يُجِلُّ العلمَ والعلماء ، ومن لا يتأدب في مجالس العلم ، ولا أثناء الدرس ، فلابد من الأدب ، والأدب يأتي قبل العلم ، فقد قيل : (( إن طلب العلم له ركنان : أدب النفـس ، وأدب الدرس )) . وقال عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه - : (( تأدبـوا ثم تعلمــوا )) . وقال ابن المبارك : (( نحن إلى قليلٍ من الأدب أحوج منا إلى كثيرٍ من العلم )) ،
فانظر كيف كان أدبُ العلماء بعضهم مع بعض ، وكيف كان أحدهمُ يعرف فضلَ الآخر ، فقد قال الإمام الشافعي في الإمام ابن حنبل :
قالوا يزورك أحمد وتــزوره *** قلتُ الفضائل لا تفارق منزلَــه
إن زارني فبفضله أو زُرتُـه *** فلفضلِه فالفضل في الحالين له
ومِن أدب المسلم أن يعرف لأهل الفضل فضلَهم ، وأن لا يذكر عيوبَهم تقديراً لهم ، كما قال التابعي الجليل ابن المسيّب : (( ليس من شريفٍ ولا عالمٍ ولا ذي فضلٍ إلا فيه عيب ، ولكن من الناس من لا ينبغي أن تُذكرَ عيوبُه )) .
فيا أيها المسلمون ، أنزلوا الناس منازلهم ، وأكرموا ذا الشيبة المسلم ، واعرفوا للعلماء حقهم ، ولذي الفضل فضلهم ، فهذا مما أدَّب به النبيُّ ـ عليه وآله الصلاة والسلام ـ أصحابَه ، فلما دخل مكةَ المكرمة ، ودخل المسجدَ الحرام ، أتى أبو بكر بأبيه أبي قحافة يقـــوده ، فلما رآه رسول الله عليه وآله الصلاة والسلام قال : " هلاّ تركتَ الشَّيْخَ في بيته حتى آتيه ؟ " فقال يمشي هو إليك يا رسول الله أحق أن تمشي إليه ..[ إسناده صحيح ، ابن حجر العسقلاني ـ الإصابة : 2/461 ] . وجاء شيخ يريد النبي عليه وآله الصلاة والسلام ، فأبْطأ القومُ أن يُوَسِّعوا له ، فقال : " ليس مِنّا مَن لم يَرحم صغيرَنا ، ولم يُوَقِّر كبيرَنا " ..[ صحيح ، الألباني ـ صحيح الترمذي : 1919 ] ........ و الحمد لله رب العالمين .