صوت اداة حفر الاسنان الحادّ... اما زالت هذه الذكرى تتسبّب بتجمّد الدم في عروقكم? هذا طبيعي, لكنّ هذه التقنية على وشك الاختفاء, الا ان ذلك لا يمنع من انه ينبغي علينا الحفاظ على صحة اسناننا لتجنُّب ظهور التسوّس.
بحسب منظّمة الصحة العالمية, تسوّس الاسنان هو المرض الاكثر انتشارا بين الناس حول العالم (98% من سكان الكرة الارضية). وهو نتيجة تغذية سيئة وتدنّي مستويات النظافة الصحية او قلّة فاعليتها. ويشكّل السكر والعادات الغذائية السيئة بالاضافة الى بعض انواع البكتيريا خطرا على صحة اسناننا.
كذلك, تتسبّب العادات الغذائية الراهنة, والتي تتضمن وجبات خفيفة حلوة واستهلاك مشروبات تحتوي على السكر, بإدخال كميات كبيرة من السكر مرات كثيرة الى تجويف الفم, ما يؤدي الى تضرّر الاسنان.
فاعليّة الوقاية
عموماً, نلاحظ راهناً تحسنًا في مستويات النظافة الصحية في معظم الدول, ما يدفعنا الى الاعتقاد بأن الناس اصبحوا اكثر انتباها الى هذا الامر. لكنّ مصدر هذا التحسّن هو تعميم استعمال الفلور (90% من معاجين الاسنان المباعة في الدول الصناعية تحتوي عليه) وارتفاع مستوى المعيشة.
في المقابل, لا يزال الخبراء منقسمين حول الدور الذي تؤديه ازالة بلاك الاسنان بواسطة التنظيف بالفرشاة, في تفسير سبب كون الاشخاص البالغين 20 الى 25 عامًا يعانون من تسوّس اسنان اقل مما كان يعانيه الشبان منذ 30 سنة مضت. يؤدي تبدّل سلوك الافراد دوراً ايضاً, خصوصاً تنظيف الاسنان بالفرشاة مرتين يومياً واستخدام خيطان تنظيف ما بين الاسنان مرة اسبوعياً على الاقل, والتقليل من استهلاك السكر.
جهد ينبغي دعمه
البعض منا اكثر قابلية من غيره للمعاناة من التسوّس, فيما يبدو اخرون وكأنهم 'محصّنين' بسبب دفاعاتهم الطبيعية.
يستمر تقدّم حالات التسوّس ما بين ثلاث وأربع سنوات لدى الراشد المعرّض بشكل بسيط او معتدل لخطّر التسوّس قبل ان يخترق مينا الاسنان. للاسف, ليست للتسوّس اعراض ظاهرة في بداياته الى ان يظهر نفسه عبر الالم كرد فعل تجاه الاحماض او السكريات او التبدلات الحرارية. لكن هذه الاعراض لا تظهر دومًا بشكل منهجي ولا تؤدي دائمًا دورها المنبّه. تقدّم الزيارات الدورية لطبيب الاسنان (كل ستة اشهر) بهدف مراقبة الوضع, عونًا قيمًا في مكافحة التسوّس.
مفتاح المشكلة
تؤدي البكتيريا دورا اساسيا في حدوث التسوّس, لانها تحوِّل السكر الموجود بشكل دائم داخل الفم الى حمض اللاكتيك (عملية تحلّل السكر). بدوره, يؤدي استهلاك السكر باستمرار الى ارتفاع نسبة الحموضة في الفم بشكل دائم, ما يدمّر من جهة حسن الانسجام الموجود عادة بين ال¯300 الى 600 نوع من البكتيريا الموجودة في تجويف الفم (الفلورا الفمية), ويؤدي من جهة اخرى الى نزع الكالسيوم عن المينا.
حين يكون تجويف الفم مرتفع الحموضة بشكل دائم, يتوقّف نمو الكثير من انواع البكتيريا وتكاثرها, ويتباطأ ايضها كذلك. تنجو فحسب البكتيريا المقاومة للحموضة, فتتكاثر عبر انتاج الاحماض من خلال استهلاك السكر, ما يؤدي الى انخفاض اضافي لمقياس الحموضة في الفم. (pH)
مع ظهور اولى اسنان الحليب, تجد هذه الانواع من البكتيريا مساحة اضافية وثابتة في الفم يمكن الركون اليها. ومع كل سن جديدة, تتوسّع المساحة التي تتركز عليها اعداد البكتيريا الاضافية التي تحملها اطراف ثالثة من خلال تقديم المصاصات, او زجاجات الارضاع المحتوية على السكر, او ملاعق الحبوب.
أعراض تقليديّة
قد تظهر العلامات الاولى ما ان يصل التسوّس الى عاج الاسنان. لكن احيانًا يظهر الالم بشكل متأخّر جدًا. لهذا يُنصح بشدة بعدم انتظار الشعور بالالم لاستشارة طبيب الاسنان.
يدلّ الاحساس بالالم اثناء تذوّق مأكولات باردة او محتوية على السكر, على وجود تسوّس ناشط ينبغي معالجته بشكل عاجل.
عادة, يدل الاحساس بالالم اثناء التعرّض للسخونة او للضغط على استئناف التسوّس بشكل مستتر تحت سن كانت حُشيت سابقاً, ما ادى الى نخرها.
أضرار ظاهرة: في البداية بقعة بيضاء (ليست دائمًا ظاهرة جدًا), بقعة بنية (متباينة القتامة) وهي دليل على وجود تسوّس قديم قد تمعدن وما عاد ناشطًا.
حين نلاحظ وجود ثقب في السن, فهذا يعني ان التسوّس في مرحلة متقدّمة وقد يتطلّب الامر قتل السن.
مكافحة التسوّس
لا يحدث ثقب في السن الا اذا تعرّضت لهجوم حمضي وخسرت الكالسيوم (زوال التمعدن) بنسبة اكبر مما يمكنها ان تعوّضه من خلال عمل اللعاب (إعادة التمعدن).
ليس ضرورياً التخلّي عن اكل السكريات بشكل كامل! فما يؤثر في ظهور التسوّس هو تواتر استهلاك السكريات اليومي (وليس الكمية).
التغذية الطبيعية, بما فيها تلك التي تتضمّن اضافة التحلية الى الوجبات الرئيسة, لا تؤثّر على التناغم بين البكتيريا ولا تشكّل اي خطر على مينا الاسنان. فاللعاب ونظافة الفم الصحّية السليمة قادران على القيام بالاصلاحات الصغيرة على سطح الاسنان. فيما قد تكون للكمية ذاتها من السكر نتائج كارثية على الاسنان اذا ما استُهلكت على مراحل طيلة النهار.
معالجته
التسوّس مرض لا رجعة فيه الى الوراء, فهو يهاجم السن ويدمّرها. لذا, ينبغي ازالة الجزء المصاب بشكل كامل واستبداله بخليط معدني (حشوة السن) او اسمنتي او مركب اخر. في حال كان التسوس كبيرًا, يجب قتل السن او في بعض الحالات استئصالها. يمكن لجراح الاسنان ان يرمّم السن المصابة بوضع تاج لها.
القواعد الاساسية للحصول على اسنان صحية:
1-الاكل المتوازن,
2- تنظيف الاسنان بعد كل وجبة,
3-تقوية الاسنان بواسطة مادة الفلور,
4- استشارة طبيب الاسنان مرة سنوياً على الاقل, عموماً, يتطوّر التسوّس على اربع مراحل.
تؤدي المعالجة في المرحلتين الاولى والثانية من التسوّس الى الحفاظ على السن, اي انه لا يتمّ المساس بحياتها. فيتم اجتثاث التسوّس الذي يظهر على شكل انسجة رخوة وقاتمة اللون بواسطة ادوات دوارة مع تبريدها, كي لا يؤدي الامر الى رفع درجة حرارة الانسجة. تؤدي هذه العملية الى ظهور فراغ ينبغي تعبئته. يتعلّق الامر هنا بترميم السن من خلال تعبئتها بمادة ما.
يتم ترميم السن التشريحي هذا وفقًا لمعايير محدّدة بواسطة خليط يحتوي على الزئبق (حشوة السن), او مركب يوضع مباشرة, او مركب لاصق يجهَّز في المختبر, او كتلة معدنية او من السيراميك مصنّعة في المختبر, وفقًا لطبعة الفم المعطاة من طبيب الاسنان.
في المرحلة الثالثة, يصبح قتل السن او استئصال اللب امرًا ضروريًا لايقاف الالم. ودائمًا ما يتبع هذه المرحلة اغلاق محكم للقنوات التي كان اللب موجودًا فيها لمنع الغزو الجرثومي, وذلك خلال الجلسة نفسها او في جلسة لاحقة. تُسمى هذه العملية 'إغلاق القنوات'.
في المرحلة الرابعة, لا يعود قتل السن بواسطة طبيب الاسنان امرًا ضروريًا, كون البكتيريا قد سبق وتكفّلت بالامر! العلاج في هذه الحالة يكون بتعقيم اقنية الجذور بواسطة منتجات مطهّرة ومضادة للالتهابات, قبل القيام بإغلاق القنوات.
من الثابت علميًا اذاً, ان الممارسات الغذائية تؤدي دورًا هامًا في ما يتعلق بخطر التعرّض لتسوس الاسنان, اذ ان كثرة الوجبات الخفيفة والتغذية الغنية بالسكريات ترفع مستوى هذا الخطر.
في المقابل, يساهم بعض الاطعمة كمنتجات الالبان (خصوصًا الجبنة) في حماية الاسنان من التسوّس. لهذا من الضروري ان نحافظ منذ الصغر على صحة اسناننا, وأن نتبع نظامًا غذائيًا ونظام نظافة ممتازين, لتجنّب خطر التسوّس غير المرغوب فيه.