الحمد لله، الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلوات الله وسلامه عليه، ورضي الله عن آله وأصحابه، الذين آمنوا به وعزروه ونصروه، واتبعوا النور الذي أنزل معه، أولئك هم المفلحون.
أما بعد فيا أيها المسلمون
هذا يوم العيد، هذا يوم التكبير، زينة أعيادنا نحن المسلمين التكبير، فالله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر، الله أكبر الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله والله أكبر، الله أكبر ولله الحمد.
الله أكبر شعار المسلمين، يدخل المسلم صلاته في كل يوم خمس مرات بهذه الكلمة العظيمة: الله أكبر، يؤذن للصلاة كل يوم خمس مرات ويفتتح أذانه بهذه الكلمة: الله أكبر الله أكبر، يقيم لصلاته كل يوم خمس مرات، يفتتح إقامته بهذه الكلمة: الله أكبر الله أكبر، إذا ذبح المسلم ذبيحة، سمى الله وكبر: بسم الله والله أكبر.
الله أكبر هي شعار المسلم في كل حين، إذا دخل المسلم معركة كانت الصيحة التي تملأ قلوب الأعداء فزعا وخوفا، هي صيحة: الله أكبر الله أكبر.
الله أكبر هي زينة العيد، فكبروا لله، وقولوا: الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله والله أكبر، الله أكبر ولله الحمد.
للصائم فرحتان
هذا يوم العيد، هذا يوم عيد الفطر، وللمسلمين عيدان: عيد الفطر، وعيد الأضحى. وكل عيد يأتي بعد عبادة من العبادات الكبرى، وبعد فريضة من الفرائض العظمى، عيد الأضحى يأتي بعد الحج، وعيد الفطر يأتي بعد الصيام (… ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون).
جاء هذا العيد، ليفرح فيه المؤمنون بتوفيق الله، و(للصائم فرحتان يفرحهما: إذا أفطر فرح بفطره، وإذا لقى ربه فرح بصومه). إذا أفطر كل يوم فرح، وإذا أفطر بعد الفراغ من رمضان فرح فرحة أخرى، هي فرحة التوفيق لطاعة الله عز وجل، هي أن الله سبحانه وتعالى أنعم عليه بنعمة الصيام والقيام، وجاء العيد متمما لهذه النعمة، وفيه يفرح المؤمنون بتوفيق الله (قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون).
ومن شكر نعمة الله على توفيقه ألا يعيش المسلم فرحة العيد وحده، بل يجتهد أن يشرك معه الفقراء والمساكين من عباد الله، ولهذا فرض الإسلام زكاة الفطر من رمضان، يؤديها المسلم عن نفسه وعمن يمونه ويلي عليه من زوجة وأولاد، وهي مقدار يسير يجب على من يملكه فاضلا عن قوت يوم العيد وليلته ولو لم يكن مالكا للنصاب عند جمهور العلماء. فقد أراد الإسلام أن يعود المسلم العطاء والإنفاق في السراء والضراء، وأن تكون يده العليا يوما، فهو يعطي وإن كان فقيرا، وقد يعطي الصدقة من ناحية، وتجيئه -لفقره- صدقات من ناحية أخرى، وفي الحديث: (… أما غنيكم فيزكيه الله، وأما فقيركم فيرد الله عليه أكثر مما أعطى).
والمسلم يطلب المسكين في هذا اليوم ويوصل إليه الصدقة في مكانه، كما جاء: (أغنوهم عن الطواف في هذا اليوم)
أيها الإخوة: يوم العيد أشبه بيوم الوعيد، أشبه بيوم القيامة (وجوه يومئذ مسفرة * ضاحكة مستبشرة * ووجوه يومئذ عليها غبرة * ترهقها قترة).
أما المستبشرون الفرحون، فأولئك الذين أتم الله عليهم نعمة الصيام والقيام، فهم في هذا اليوم يفرحون وحق لهم أن يفرحوا. وأما الوجوه التي عليها غبرة، ترهقها قترة، فوجوه أولئك الذين لم يقدروا نعمة الله، ولم يمتثلون لأمر الله في الصيام والقيام، فيا ويلهم ثم يا ويلهم (فلا صدق ولا صلى * ولكن كذب وتولى * ثم ذهب إلى أهله يتمطى * أولى لك فأولى * ثم أولى لك فأولى).
المعنى الرباني في عيد المسلين
هذا يوم عيدنا، يوم العيد ليس يوم انفلات ولا انطلاق للشهوات، بعض الملل والنحل عيدها عيد شهوات، عيد إباحية ولذات، ولكن عيد المسلمين يبدأ بالتكبير ويبدأ بالصلاة. فيه المعنى الرباني، فيه معنى الصلة بالله عز وجل، فأول شيء في يومنا هو التكبير، وثاني شيء هو الصلاة.
العيد ليس معناه انطلاقا من كل قيد، لا، وليس العيد قطعا للصلة بالله عز وجل. إن بعض الناس يظنون انقضاء رمضان، هو انقضاء العهد بالمساجد والجماعات والصلوات والطاعات، لا …لا يا إخوتنا المسلمين …لا، من كان يعبد رمضان فإن رمضان قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت.
إن رمضان موسم المتقين، ومتجر الصالحين، والتاجر يضاعف نشاطه في الموسم، ولكنه لا يغلق دكانه بعد الموسم. إن رمضان موسم نشحن فيه بطاريات القلوب بمعاني الإيمان والتقى، والرغبة فيما عند الله، والإقبال على ما عند الله. وعلامة القبول في رمضان، أن يظل الإنسان موصولا بحبل الله بعد رمضان، ألا يقطع الود بينه وبين ربه، وقد كان بعض السلف يقولون: بئس القوم قوم لا يعرفون الله إلا في رمضان، كن ربانيا ولا تكن رمضانيا.
لا تكن إنسانا موسميا يعرف الله شهرا في العام، ثم بعد ذلك ينقطع عن طاعة الله، وعن عبادة الله.
من كان قد قبل صيامه، وقبل قيامه، فلذلك علامة. علامة هذا أن نجد أثر ذلك بعد رمضان (والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم).
فمن علامة قبول الحسنة، ومن ثواب الحسنة: الحسنة بعدها. ومن عقوبة السيئة: السيئة بعدها.
فيا أخي المسلم كن مع الله دائما، إن الله يحب الطاعة في كل زمان، ويكره المعصية في كل أوان، ورب رمضان هو رب شوال، هو رب ذي القعدة، هو رب سائر الشهور.
كن مع الله أبدا، اتق الله حيثما كنت، في أي مكان كنت، وفي أي زمان كنت، وعلى أي حال كنت (ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله …).