من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلاً }.
( موسى ناصر ) فتى من فتيان القدس الشريف , في باحات الأقصى تربى , وعلى أصوات الانتفاضة شبَّ , ثائرٌ يعشقُ الشهادة , كريمةٌ نفسه ، تحلِّقُ عاليا ، وتسير إلى الظلم ثائرة ، لم يكن ( موسى ناصر ) ككثيرين من قرنائه يفكر في ظلٍ ظليل ، وماء معين ، ونساء وبنين ، وإنما تعلق قلبه بجنة عالية ، قطوفها دانية ، لا تسمع فيها لاغية ، فيها سرر مرفوعه ، وأكواب موضوعه ، ونمارق مصفوفة ، وزرابي مبثوثة ، ظلال وأنهار ، وكواعب أتراب . يحدوه قول القائل :
كأني بالوسائد والزرابي * * * على سرر تمضخ بالطيوبِ
وحور العين قد هيأنا فيها * * * مكانا لحبيبة والحبيبِ
رآها حلَّت في المستنقع الآسن تحسبه المرتع الزكي ، ومشت في الظلام البهيم تراه النور الوضيء ، رأى أمته قد أسْلَمَتْ قيادها لمن خانوا وهانوا وأبدوا للأعادي اللينا ، من أضاعوا شعوبهم فلم يبقوا لهم دنيا ولا دينا ، رأى الفرس والروم وإخوان القردة والخنازير في بلاد المسلمين يصولون ويجولون ، ويقولون ويفعلون ، فراح يعمل في صمت ، يُشعل في الظلماء شعلة يستضيء بها الحيران ، كأنه يمتثل قول الله تعالى { وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً } [التوبة :من الآية 122 ] , فكان ( موسى ناصر ) من مؤسسي أحد المنابر الدعوية الشامخة على الشبكة العنكبوتية , إذاعة طريق الإسلام , يعمل محتسبا دون أجر أو طلب ثناء من العباد ، يرجو رحمة ربه ويخشى عذابه .
وفي ليلة ظلماء وهو يعمل بكلتا يديه ، إذ بإخوان القردة والخنازير يكسرون بابه ، ويشدون وِثاقه ، ويأخذون متاعه ، والرجل تغلبه الكثرة . ثم يلقون به في السجن . وفي السجن عدوٌ لا يرحم ، وليلٌ لا يرحل ، وخوف من كل مكان قد أقبل . فلك الله أخانا الحبيب .
أنت القوي فقد حملت عقيدة * * * أما سواك فحاملو أسفار
يتعلقون بهذه الدنيا وقد * * * طبعت على الإيراد والإصدار
أنت القوي فقل لهم لن أنثني * * * عما نويت وشافعي إصراري
لن أنثني فإذا قتلت فإنني * * * حي لدى ربي مع الأبرار
وإذا سجنت فإنما تتطهر * * * الزنزانة السوداء في أفكاري
وذا نفيت عن الديار فأينما * * * يمضي البريء فثم وجه الباري
يحاكم موسى , ويتهمه الاحتلال بالتدبير مع اثنين من إخوانه لعملية استشهادية , ويدَّعون في محاكماتهم بأن موسى اختار أن ينفذها بيده , فلو صدقوا في دعواهم , فنسأل الله أن يتقبل نيته , وأن يكتب أجره ، ولا نملك إلا أن نبشره ببشرى الرسول لصهيب " ربح البيع أبا ناصر " كما ربح بيع أبا يحيى من قبل.
يحكم الاحتلال على موسى بالبقاء تسع سنوات , هي له إن شاء الله خلوة , يجدد فيها مع الله العهد , والله نسأل أن يبدله خيرا ، وأن يرفع له بذلك ذكره ، فصبرا أخانا الحبيب ، فالدنيا ساعة ، وليس فيها راحة . صبرا أخي .نسأل الله العظيم أن يعجل بفرج أخينا ، وأن يفك اسره ،هو وإخوانه ،وأن يأذن بزوال دولة يهود ، وأن يجمعنا وإياه في ساحة الأقصى مجاهدين ومصلين ، اللهم احفظهم بحفظك واكلأهم برعايتك , اللهم أنزل عليهم واقية كواقية الوليد , اللهم نور قلوبهم بالقرآن , وزين أعمالهم بالتقوى , وتقبل منهم ما هم فيه.